وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ الحاقة مَا الحآقة ﴾
يريد القيامة ؛ سُميّت بذلك لأن الأمور تُحَقّ فيها ؛ قاله الطبري.
كأنه جعلها من باب "ليل نائم".
وقيل : سُمِّيَت حاقة لأنها تكون من غير شك.
وقيل : سُمِّيت بذلك لأنها أحقّت لأقوام الجنة، وأحقّت لأقوام النار.
وقيل : سُمِّيَت بذلك لأن فيها يصير كل إنسان حقيقاً بجزاء عمله.
وقال الأزهريّ : يقال حاققته فَحَقَقْتُه أُحقّه ؛ أي غالبته فغلبته.
فالقيامة حاقّة لأنها تَحُقّ كلَّ محاقٍّ في دين الله بالباطل ؛ أي كل مخاصم.
وفي الصحاح : وحاقّه أي خاصمه وادّعى كل واحد منهما الحق ؛ فإذا غلبه قيل حَقّه.
ويقال للرجل إذا خاصم في صِغار الأشياء : إنه لَنَزِق الحِقاق.
ويقال : ما له فيه حق ولا حِقاق ؛ أي خصومة.
والتحاقّ التخاصم.
والاحتقاق : الاختصام.
والحاقة والحَقّة والحقّ ثلاث لغات بمعنًى.
وقال الكسائي والمؤَرِّج : الحاقّة يوم الحقّ.
وتقول العرب : لمّا عَرَف الحَقّة منّي هرب.
والحاقّة الأولى رفع بالابتداء، والخبر المبتدأ الثاني وخبره وهو ﴿ مَا الحآقة ﴾ لأن معناها ما هي.
واللفظ استفهام، معناه التعظيم والتفخيم لشأنها ؛ كما تقول : زيد ما زيد! على التعظيم لشأنه.
﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحاقة ﴾ استفهام أيضاً ؛ أي أيّ شيء أعلمك ما ذلك اليوم.
والنبيّ ﷺ كان عالماً بالقيامة ولكن بالصفة.
فقيل تفخيماً لشأنها : وما أدراك ما هي ؛ كأنك لستَ تعلمها إذ لم تعاينها.
وقال يحيى بن سلام : بلغني أن كل شيء في القرآن "وَمَا أَدْرَاكَ" فقد أدراه إياه وعلمه.
وكل شيء قال :"وَمَا يُدْرِيك" فهو مما لم يعلمه.
وقال سفيان بن عُيينة : كل شيء قال فيه :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ ﴾ فإنه أُخبر به، وكل شيء قال فيه :"وَمَا يُدْرِيكَ" فإنه لم يخبرَ به.
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (٤)
ذكر من كذب بالقيامة.
والقارعة القيامة ؛ سُمّيت بذلك لأنها تقرع الناس بأهوالها.