والخطاب في قوله :﴿ فترى ﴾ خطاب لغير معين، أي فيرى الرائي لو كان راءٍ، وهذا أسلوب في حكاية الأمور العظيمة الغائبة تستحضر فيه تلك الحالة كأنها حاضرة ويُتخيل في المقام سامع حاضر شاهد مُهْلَكهم أو شَاهَدَهم بعدَه، وكلا المشاهدتين منتف في هذه الآية، فيعتبر خطاباً فرضياً فليس هو بالتفات ولا هو من خطاب غير المعين، وقريب منه قوله تعالى:
﴿ وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ﴾ [ الشورى : ٤٥ ]، وقوله :﴿ وإذا رأيتَ ثَمَّ رأيتَ نعيماً وملكاً كبيراً ﴾ [ الإنسان : ٢٠ ]، وعلى دقة هذا الاستعمال أهمل المفسرون التعرض له عدا كلمة للبيضاوي.
والتعريف في ﴿ القومَ ﴾ للعهد الذِّكري، والقوم : القبيلة وهذا تصوير لهلاك جميع القبيلة.
وضمير ﴿ فيها ﴾ عائد إلى الليالي والأيام.
و﴿ صرعى ﴾ : جمع صريع وهو الملقى على الأرض ميتاً.
وشُبهوا بأعجاز نخل، أي أصول النخل، وعجز النخلة : هو الساق التي تتصل بالأرض من النخلة وهو أغلظ النخلة وأشدها.
ووجه التشبيه بها أن الذين يقطعون النخل إذا قطعوه للانتفاع بأعواده في إقامة البيوت للسُقُف والعضادات انتقوا منه أصوله لأنها أغلظ وأملأ وتركوها على الأرض حتى تيبس وتزول رطوبتها ثم يجعلوها عَمَداً وأساطين.
والنخل : اسمُ جمععِ نخلة.
والخاوي : الخالي مما كان مالئاً له وحالاً فيه.
وقوله :﴿ خاويةٍ ﴾ مجرور باتفاق القراء، فتعين أن يكون صفة ﴿ نخل.
ووصفُ نخل ﴾ بأنها ﴿ خاوية ﴾ باعتبار إطلاق اسم "النخل" على مكانه بتأويل الجنة أو الحديقة، ففيه استخدام.
والمعنى : خالية من الناس، وهذا الوصف لتشويه المشبه به بتشويه مكانه، ولا أثر له في المشابهة وأحسنه ما كان فيه مناسبة للغرض من التشبيه كما في الآية، فإن لهذا الوصف وقعاً في التنفير من حالتهم ليناسب الموعظة والتحذير من الوقوع في مثل أسبابها، ومنه قول كعب بن زهير:
لَذاكَ أهْيَبُ عندي إذْ أُكلمه...
وقيلَ إنَّك مَنسُوبٌ ومَسْؤول