ولما ذكر التأثير في الإحياء، أتبعه التأثير في الجمادات، وبدأ بالسفليات لملابستها للإنسان فتكون عبرته بها أكثر فقال :﴿وحملت﴾ أي بمجرد القدرة ﴿الأرض﴾ أي المنبسطة ورجت رجاً ﴿والجبال﴾ أي التي بها ثباتها فرفعت من أماكنها، وبستا بساً فكانت هباء منبثاً، لم يبق فيهما حجر ولا كدية.
ولما أريد قوة الدك والإبلاغ في تأثيره، جعل الجبال شيئاً واحداً فقال :﴿فدكتا﴾ أي مسحت الجملتان الأرض وأوتادها وبسطتا ودق بعضها ببعض ﴿دكة واحدة﴾ أي فصارتا كثيباً مهيلاً وسويتا بأيسر أمر فلم يميز شيء منهما من الآخر، بل صارا في غاية الاستواء، من قولهم : ناقة دكاء، أي لا سنام لها.
وأرض دكاء، أي متسعة مستوية، قالوا : والدك والدق - أخوان، والدك أبلغ، قال أبو حيان : والدك فيه تفرق الأجزاء، والدق فيه اختلاط الأجزاء.
ولما ذكر نفخ الصور سبب عنه قوله :﴿فيومئذ﴾ أي إذا دكتا وهي بدل من " إذ " كرر لطول الفصل وأفاد تهويلاً لها وتعظيماً، ونصب الظرف بقوله :﴿وقعت الواقعة﴾ أي التي وقع الوعد والوعيد بها، فكانت كأنها شيء ثقيل جداً ليس له ممسك.
فما له من ذاته غير السقوط، وهي القيامة والحاقة والقارعة، نوع أسماءها تهويلاً لها أي قامت القيامة، وكان المراد بها النفخة الثانية.
ولما ذكر تأثير العالم السفلي ذكر العلوي فقال :﴿وانشقت السماء﴾ أي هذا الجنس لشدة ذلك اليوم، ولما كان الشيء لا ينشق إلا لخلل فيه، سبب عنه قوله تحقيقاً لذلك.
﴿فهي يومئذ﴾ أي إذا وقعت الواقعة ﴿واهية﴾ أي ضعيفة متساقطة خفيفة لا تتماسك.