وقال القرطبى :
﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) ﴾
قال ابن عباس : هي النفخة الأولى لقيام الساعة، فلم يبق أحد إلا مات.
وجاز تذكير ﴿ نُفِخَ ﴾ لأن تأنيث النفخة غير حقيقي.
وقيل : إن هذه النفخة هي الأخيرة.
وقال :﴿ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ أي لا تُثَنّى.
قال الأخفش : ووقع الفعل على النفخة إذ لم يكن قبلها اسم مرفوع فقيل : نفخة.
ويجوز "نفخةً" نصباً على المصدر.
وبها قرأ أبو السَّمال.
أو يقال : اقتصر على الإخبار عن الفعل كما تقول : ضرب ضرباً.
وقال الزجاج :"فيِ الصُّورِ" يقوم مقام ما لم يسم فاعله.
قوله تعالى :﴿ وَحُمِلَتِ الأرض والجبال ﴾
قراءة العامة بتخفيف الميم ؛ أي رفعت من أماكنها.
﴿ فَدُكَّتَا ﴾ أي فتتا وكسِرتا.
﴿ دَكَّةً وَاحِدَةً ﴾ لا يجوز في "دَكَّة" إلا النصب لارتفاع الضمير في "دُكَّتَا".
وقال الفراء : لم يقل فَدُكِكْن لأنه جعل الجبال كلّها كالجملة الواحدة، والأرض كالجملة الواحدة.
ومثله :﴿ أَنَّ السماوات والأرض كَانَتَا رَتْقاً ﴾ [ الأنبياء : ٣٠ ] ولم يقل كنّ.
وهذا الدك كالزلزلة ؛ كما قال تعالى :﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا ﴾ [ الزلزلة : ١ ] وقيل :"دُكَّتَا" أي بُسِطَتا بسطةً واحدة ؛ ومنه اندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره.
وقد مضى في سورة "الأعراف" القول فيه.
وقرأ عبد الحميد عن ابن عامر "وَحُمِّلَتِ الأرض والجبال" بالتشديد على إسناد الفعل إلى المفعول الثاني.
كأنه في الأصل وَحَمّلْتُ قُدْرَتَنا أو مَلَكاً من ملائكتنا الأرضَ والجبال ؛ ثم أسنِد الفعل إلى المفعول الثاني فَبُنِيَ له.
ولَوْ جِيء بالمفعول الأول لأسند الفعل إليه ؛ فكأنه قال : وَحُمِّلت قُدْرتُنا الأرضَ.
وقد يجوز بناؤه للثاني على وجه القلب فيقال : حُمِّلت الأرضُ المَلَك ؛ كقولك : أُلْبِس زيدٌ الجُبّةَ، وألْبِست الجبةُ زيداً.


الصفحة التالية
Icon