﴿ فَاسْلُكُوهُ ﴾ قال سفيان : بلغنا أنها تدخل في دبره حتى تخرج من فيه.
وقاله مقاتل.
والمعنى ثم اسلكوا فيه سلسلة.
وقيل : تدخل عنقه فيها ثم يجرّ بها.
وجاء في الخبر : أنها تدخل من دبره وتخرج من مَنْخِرَيْهِ.
وفي خبر آخر : تدخل مِن فيه وتخرج من دبره، فينادي أصحابه هل تعرفوني؟ فيقولون لا، ولكن قد نرى ما بك من الخزي فمن أنت؟ فينادي أصحابه أنا فلان بن فلان، لكل إنسان منكم مثل هذا.
قلت : وهذا التفسير أصح ما قيل في هذه الآية، يدلّ عليه قوله تعالى :﴿ يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ﴾ [ الإسراء : ٧١ ] وفي الباب حديث أبي هريرة بمعناه خَرّجه الترمذيّ.
وقد ذكرناه في سورة "سبحان" فتأمله هناك.
﴿ إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بالله العظيم ﴾ ﴿ وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين ﴾ أي على الإطعام، كما يوضع العطاء موضع الإعطاء.
قال الشاعر :
أكُفْراً بعد رَدّ الموت عنّي...
وبعد عطائك المائةَ الرِّتَاعَا
أراد بعد إعطائك.
فبيّن أنه عُذّب على ترك الإطعام وعلى الأمر بالبخل، كما عُذّب بسبب الكفر.
والحَضُّ : التحريض والحَثّ.
وأصل "طعام" أن يكون منصوباً بالمصدر المقدّر.
والطعام عبارة عن العين، وأضيف للمسكين للملابسة التي بينهما.
ومن أعمل الطعام كما يعمل الإطعام فموضع المسكين نصب.
والتقدير على إطعام المطْعِم المسكين ؛ فحذف الفاعل وأضيف المصدر إلى المفعول.
قوله تعالى :﴿ فَلَيْسَ لَهُ اليوم هَا هُنَا حَمِيمٌ ﴾
خبر "ليس" قوله :"له" ولا يكون الخبر قوله :"هَا هُنَا" لأن المعنى يصير : ليس ها هنا طعام إلا من غِسْلِين، ولا يصح ذلك ؛ لأن ثَمّ طعاماً غيره.
و"هَا هُنَا" متعلق بما في "له" من معنى الفعل.
والحميم ها هنا القريب.
أي ليس لي قريب يرقّ له ويدفع عنه.
وهو مأخوذ من الحميم وهو الماء الحارّ ؛ كأنه الصديق الذي يرقّ ويحترق قلبه له.