و هو كما ترى "ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ" ٤٦ هو نياط القلب وهو عرق غليظ تصادفه شفرة الذابح فإذا قطع مات الإنسان، وهذا التصوير للإهلاك على أفظع صورة لما فيه من الإذلال والإهانة، وعند ذلك "فَما مِنْكُمْ" أيها الناس "مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ" ٤٧ بيننا وبينه لتمنعونا عن إجراء ذلك فيه إذ لا قدرة لكم، والمعنى أن محمدا صلّى اللّه عليه وسلم لا يكذب علينا قط لأنه يعلم كيف نفعل بمن يفتري علينا، ويعلم أننا لا تمكن أحدا أن يبهت علينا "وَإِنَّهُ" ذلك القرآن المصون "لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ" ٤٨ من عقاب اللّه وعظة وعبرة لهم لأنهم المنتفعون به "وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ" ٤٩ به كثيرين لا يصغون لسماعه ولا يميلون لاتباعه "وَإِنَّهُ" ذلك القرآن المجيد الذي كذبتم به "لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ" ٥٠ يوم القيامة لأنهم حين يرون ما صار إليه المؤمنون من الثواب والكرامة يندمون على تكذيبهم، ولات حين مندم
"وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ" ٥١ الذي لا شك فيه ولا شبهة بأنه منزل من لدنا عين اليقين ومحض اليقين.
فيا سيد الرسل لا تلتفت إلى تكذيبهم، ولا تتأثر مما يصمونك به، ولا تترك دعوتهم، وكلما فرغت من تبليغ ما يتلى عليك "فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ" ٥٢ وداوم على التسبيح
شكرا لما أولاك من النعم وتأهيلك لتلقي وحي ربك الكريم.
قال بعض الصوفية أعلى مراتب العلم حق اليقين كعلم العاقل بالموت إذا ذاقه، ودونه عين اليقين كعلمه بالموت عند معاينة ملائكته، ودونه علم اليقين كعلمه بالموت في سائر أوقاته، وقدمنا ما يتعلق بهذا في الآية ٩٥ من سورة الواقعة والآية ٢٠٣ من سورة الأعراف في ج ١.


الصفحة التالية
Icon