اعلم أن في الآية إشكالاً وهو أن قوله تعالى :﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ جملة مركبة من شرط وجزاء فالشرط هو شهود الشهر والجزاء هو الأمر بالصوم وما لم يوجد الشرط بتمامه لا يترتب عليه الجزاء والشهر اسم للزمان المخصوص من أوله إلى آخره، فشهود الشهر إنما يحصل عند الجزاء الأخير من الشهر وظاهر هذه الآية يقتضي أن عند شهود الجزء الأخير من الشهر يجب عليه صوم كل الشهر وهذا محال، لأنه يفضي إلى إيقاع الفعل في الزمان المنقضي وهو ممتنع فلهذا الدليل علمنا أنه لا يمكن إجراء هذه الآية على ظاهرها، وأنه لا بد من صرفها إلى التأويل، وطريقه أن يحمل لفظ الشهر على جزء من أجزاء الشهر في جانب الشرط فيصير تقريره : من شهد جزأ من أجزاء الشهر فليصم كل الشهر، فعلى هذا : من شهد هلال رمضان فقد شهد جزأ من أجزاء الشهر، وقد تحقق الشرط فيترتب عليه الجزاء، وهو الأمر بصوم كل الشهر، وعلى هذا التأويل يستقيم معنى الآية وليس فيه إلا حمل لفظ الكل على الجزء وهو مجاز مشهور.
أهـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ٧٦﴾
قال الماوردى :
﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ الشهر لا يغيب عن أحد، وفي تأويله ثلاثة أقاويل :
أحدها : فمن شهد أول الشهر، وهو مقيم فعليه صيامه إلى آخره، وليس له أن يفطر في بقيته، وهذا قول عليّ، وابن عباس، والسدي.
والثاني : فمن شهد منكم الشهر، فليصم ما شهد منه وهو مقيم دون ما لم يشهده في السفر، وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن البصري.
والثالث : فمن شهد بالغاً عاقلاً مُكَلَّفاً فليصمه، ولا يسقط صوم بقيته إذا جُن فيه، وهذا قول أبي حنيفة، وصاحبيه. أ هـ ﴿النكت والعيون ١ صـ ٢٤٠ ـ ٢٤١﴾
بحثان نفيسان للعلامة فخر الدين الرازى
قال رحمه الله :
اعلم أن قوله تعالى :﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ يستدعي بحثين :


الصفحة التالية
Icon