وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ ﴾
المعنى أقسم بالأشياء كلّها ما ترون منها وما لاترون.
و"لا" صلة.
وقيل : هو رَد لكلام سبق ؛ أي ليس الأمر كما يقوله المشركون.
وقال مقاتل : سبب ذلك أن الوليد بن المغيرة قال : إن محمداً ساحر.
وقال أبو جهل : شاعر.
وقال عقبة : كاهن ؛ فقال الله عز وجل :﴿ فَلاَ أُقْسِمُ ﴾ أي أقسم.
وقيل :"لا" ها هنا نفي للقَسَم، أي لا يحتاج في هذا إلى قسم لوضوح الحق في ذلك، وعلى هذا فجوابه كجواب القسم.
﴿ إِنَّهُ ﴾ يعني القرآن ﴿ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾ يريد جبريل، قال الحسن والكلبيّ ومقاتل.
دليله :﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ.
ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي العرش ﴾
[ التكوير : ١٩-٢٠ ].
وقال الكلبيّ أيضاً والقُتَبِي : الرسول ها هنا محمد ﷺ ؛ لقوله :﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ﴾ وليس القرآن قول الرسول ﷺ، إنما هو من قول الله عز وجل ونسب القول إلى الرسول لأنه تاليه ومبلّغُه والعاملُ به، كقولنا : هذا قول مالك.
قوله تعالى :﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ﴾ لأنه مباين لصنوف الشعر كلها.
﴿ وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ ﴾ لأنه ورد بسبّ الشياطين وشتمهم فلا ينزلون شيئاً على من يسبّهم.
و"ما" زائدة في قوله :﴿ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ ﴾، ﴿ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ ؛ والمعنى : قليلاً تؤمنون وقَلِيلاً تَذَكَّرُون.
وذلك القليل من إيمانهم هو أنهم إذا سئلوا مَن خلقهم قالوا : الله.
ولا يجوز أن تكون "ما" مع الفعل مصدراً وتنصب "قليلاً" بما بعد "ما"، لما فيه من تقديم الصلة على الموصول ؛ لأن ما عمل فيه المصدر من صلة المصدر.
وقرأ ابن مُحَيْصِن وابن كثِير وابن عامر ويعقوب "مَا يُؤْمِنُونَ"، و "يذكرون" بالياء.
الباقون بالتاء لأن الخطاب قبله وبعده.


الصفحة التالية
Icon