ثم يعلن على رؤوس الأشهاد ما أعد لهذا الناجي من النعيم، الذي تبدو فيه هنا ألوان من النعيم الحسي، تناسب حال المخاطبين إذ ذاك، وهم حديثو عهد بجاهلية، ولم يسر من آمن منهم شوطا طويلا في الإيمان، ينطبع به حسه، ويعرف به من النعيم ما هو أرق وأعلى من كل متاع:
(فهو في عيشة راضية. في جنة عالية. قطوفها دانية. كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية)..
وهذا اللون من النعيم، مع هذا اللون من التكريم في الالتفات إلى أهله بالخطاب وقوله: (كلوا واشربوا
من الاية ٢٥ الى الاية ٣٢
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (٢٦) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (٢٧) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (٢٩) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢)
هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية).. فوق أنه اللون الذي تبلغ إليه مدارك المخاطبين بالقرآن في أول العهد بالصلة بالله، قبل أن تسمو المشاعر فترى في القرب من الله ما هو أعجب من كل متاع.. فوق هذا فإنه يلبي حاجات نفوس كثيرة على مدى الزمان. والنعيم ألوان غير هذا وألوان..
(وأما من أوتي كتابه بشماله)وعرف أنه مؤاخذ بسيئاته، وأن إلى العذاب مصيره، فيقف في هذا المعرض الحافل الحاشد، وقفة المتحسر الكسير الكئيب.. (فيقول: يا ليتني لم أوت كتابيه ! ولم أدر ما حسابيه ! يا ليتها كانت القاضية ! ما أغنى عني ماليه ! هلك عني سلطانيه !)..