وقال الشيخ الشنقيطى :
﴿ الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) ﴾
الحاقة من أسماءِ القيامة وجاء بعدها ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بالقارعة ﴾ [ الحاقة : ٤ ] وهي من أسماء القيامة أيضاً، كما قال تعالى :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث ﴾ [ القارعة : ٣ - ٤ ] الآية.
سميت بالحاقة لأنه يحق فيها وعد الله بالبعث والجزاء، وسميت بالقارعة، لأنها تقرع القلوب بهولها ﴿ وَتَرَى الناس سكارى وَمَا هُم بسكارى ﴾ [ الحج : ٢ ].
كما سميت الواقعة ﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ﴾ [ الواقعة : ٢ ].
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (٤) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥)
والطَّاغية فاعلة من الطُّغيان، وهو مجاوزة الحد مطلقاً، كقوله :﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء ﴾ [ الحاقة : ١١ ].
وقوله :﴿ إِنَّ الإنسان ليطغى ﴾ [ العلق : ٦ ].
وقد اختلف في معنى الطغيان هنا، فقال قوم : طاغية عاقر الناقة، كما في قوله تعالى :﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ إِذِ انبعث أَشْقَاهَا ﴾ [ الشمس : ١١ - ١٢ ] فتكون الباء سببية أي بسبب طاغيتها، وقيل : الطاغية الصيحة الباء آلية، كقولك : كتبت بالقلم وقطعت بالسكين.
ولاذي يشهد له القرآن هو المعنى الثاني لقوله تعالى :﴿ وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حتى حِينٍ فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة وَهُمْ يَنظُرُونَ ﴾ [ الذاريات : ٤٣ - ٤٤ ]، ولو قيل : لا مانع من إرادة المعنيين لأنهما متلازمان تلازم المسبب للسبب، لأن الأول سبب الثاني لما كانوا بعيداً، ويشير إليه قوله تعالى :﴿ فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة ﴾ [ الذاريات : ٤٤ ].
فالعتو هو الطغيان في الفعل، والصاعقة هي الصيحة الشديدة، وقد ربط بينهما بالفاء.