ولما كان هذا كناية عن هذا من غير نظر إلى حقائق مفرداته ولا معنى شيء منها على انفراده، فكان كأنه قيل : تنزيل من رب العالمين غير متخيل فيه الكذب بوجه، عطف على ذلك قوله :﴿وإنه﴾ أي القرآن بعد أن كان ذكراً لجميع العالمين ﴿لتذكرة﴾ أي مذكر عظيم جداً ﴿للمتقين﴾ أي من العالمين لأنهم المنتفعون به لإقبالهم عليه إقبال مستفيد.
ولما علم من هذا أنه سبحانه عالم بقسمي المسيء والحسن ظواهرهم وبواطنهم، صرح بالقسم الآخر، فقال مؤكداً لأجل إنكار الضلال :﴿وإنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿لنعلم﴾ أي علماً عظيماً محيطاً ﴿أن منكم﴾ أيها الأرضيون السفليون الذين ليس لهم أهلية العلو إلى تجريد الأرواح عن علائق الجسد الكثيفة ﴿مكذبين﴾ أي عريقين في التكذيب فأنزلنا الكتب وأرسلنا الرسل ليظهر منكم إلى عالم الشهادة منها ما كنا نعمله في الأزل غيباً من تكذيب وإيمان فتستحقون بذلك العقاب أو الثواب، فلذلك وجب في الحكمة التي لا يكذب بها أحد ولا يشك في أنها خاصة الملك المظهرة للكمال أن يعيد الخلق إلى ما كانوا عليه من أجسامهم قبل الموت لنحكم بينهم فنجازي كلاًّ بما يليق به إظهاراً للعدل.
ولما كان سبب التكذيب ستر ما تجليه مرائي العقول من الدلائل، وكان التقدير : فإنه بشرى للمؤمنين، ولكنه طواه لأن السيق للتهديد بالحاقة، عطف عليه قوله مؤكداً لما لهم من التكذيب به، ﴿وإنه﴾ أي القرآن العظيم ﴿لحسرة﴾ أي بما يرى من تأويله في الدنيا والآخرة ﴿على الكافرين﴾ أي العريقين في الكفر لكونهم كذبوا به لما يظهر لهم من جزائهم وجزاء المؤمنين.
ولما كان كل من الفريقين يذوق جزاءه في الآخرة، ه وكان كل أحد سمع القرآن ذاق أنه لا يقدر على الإتيان بشيء يماثله ولا يدانيه، قال مؤكداً تنزيلاً لهم في عداد الجاهلين :﴿وإنه﴾ أي القرآن أو الجزاء في يوم الجزاء ﴿لحق اليقين﴾ أي الأمر الثابت الذي يذاق فيصير لا يقبل الشك فهو يقين مؤكد بالحق.