من لطائف الإمام القشيرى فى السورة الكريمة
قال عليه الرحمة :
سورة الحاقة
قوله جل ذكره :( بسم الله الرحمن الرحيم )
" بسم الله " كلمة عزيزة تحتاج في سماعها إلى سمع عزيز لم يستعمل في سماع الغيبة، وتحتاج في معرفتها إلى قلب عزيز لم يتبدل في الغفلة والغيبة، لم ينظر صاحبه بعينه إلى ما فيه رتبة، ولم تتبع نفسه اللبس والطبة.
قوله جلّ ذكره :﴿ الحَآقَّةُ مَا الحَآقَّةُ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحَآقَّةُ ﴾.
" الحاقة " : اسمٌ للقيامة لأنها تَحُقُّ كلَّ إنسانٍ بعملهِ خَيْرِه وشَرِّه.
﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْحَآقَّةُ ﴾ استفهام يفيد التعظيم لأمرها، والتفخيمَ لشأنها.
قوله جلّ ذكره :﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ ﴾.
ذَكَرَ في هذه السورة : الذين كَذَّبوا رُسُلَهم من الأمم، وأصرُّوا على كُفْرِهم، ولم يقبلوا النصيحةَ من أنبيائهم، فأهلكهم، وانتقم لأنبيائه منهم.
والفائدةُ في ذِكْرِهم : الاعتبارُ بهم، والتحرُّرُ عمَّا فعلوا لئلا يُصيبَهم ما أصابهم. وعقوبةُ هذه الأمةِ مُؤَجَّلةٌ مُؤَخَّرَةٌ إلى القيامة، ولكنَّ خواصَّهم عقوبتُهم مُعجَّلة ؛ فقومٌ من هذه الطائفة إذا أشاعوا سِرًّا، أو أضاعوا أدباً يعاقبهم برياح الحجبة، فلا يَبْقى في قلوبهم أثرٌ من الاحتشام للدِّين، ولا مِمَّا كان لهم من الأوقات، ويصيرون على خَطَرٍ في أحوالهم بأنْ يُمْتَحنوا بالاعتراض على التقدير والقِسْمة.
وأمَّا فرعون وقومُه فكان عذابُهم بالغَرَقِ... كذلك مَنْ كان له وقتٌ فارغٌ وهو بطاعة ربِّه مشتغِلٌ، والحقُّ عليه مُقْبِلٌ - فإذا لم يشكرْ النعمةَ، وأساءَ أدبَه، ولم يَعْرِفْ قَدْرَ ما أنعم اللَّهُ به عليه رَدَّه الحقُّ إلى أسباب التفرقة، ثم أغرقه في بحار الاشتغال فيتكدر مَشْرَبُه، ويصير على خَطَرٍ بأن يُدْرِكَه سُخْطُ الحقِّ وغضبُه.
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (١١)


الصفحة التالية
Icon