هناك - اليومَ - أقوامٌ مهجورون تتصاعد حسارتُهم، ويتضاعف أنينُهم - ليلَهم ونهارَهم - فليلُهم ويلٌ ونهارهم بُعَاد ؛ تكدَّرتْ مشاربُهم، وخربت أوطانُ أُنْسِهم، ولا بكاؤهم يُرْحَم، ولا أنينُهم يُسْمَع... فعِنْدَهم أنهم مُبْعَدون... وهم في الحقيقة من اللَّهِ مرحومون، أسبلَ عليهم السترَ فَصَغَّرَهم في أعينهم - وهم أكرمُ أهل القصة! كما قالوا :
لا تُنْكِرنْ جحدي هواكَ فإنما... ذاك الجحودُ عليك سترٌ مُسْبَلُ
قوله جلّ ذكره :﴿ فَلآَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ ﴾.
" لا " صلة والمعنى : أُقْسِم ؛ كأنه قال : أقسم بجميع الأشياء، لأنه لا ثالثَ لما يبصرون وما لا يبصرون. وجوابُ القَسَم.
﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ﴾..
أي وجيهٍ عند الله. وقولُ الرسولِ الكريم هو القرآنُ أو قراءةُ القرآن.
وما هو بقول شاعر ولا بقول كاهن أي أَن محمداً ليس شاعراً ولا كاهناً بل هو :
﴿ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴾
قوله جلّ ذكره :﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ﴾.
أي لو كان محمدٌ يكذب علينا لمنعناه منه وعصمناه عنه، ولو تعمَّد لعذَّبناه. والقول بعصمة الأنبياء واجب. ثم كان لا ناصرَ له منكم ولا من غيركم، وهذا القرآن.
﴿ وََإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكّذِّبِينَ وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الكَافِرِينَ وَإِنَّهُ لَحَقُّ اليَقِينِ ﴾.
حقُّ اليقين هو اليقين فالإضافة هكذا إلى نفس الشيء.
وعلوم الناس تختلف في الطرق إلى اليقين خفاءً وجلاءً ؛ فما يقال عن الفرق بين علم اليقين وعين اليقين وحقِّ اليقين يرجع إلى كثرة البراهين، وخفاء الطريق وجلائه، ثم إلى كون بعضه ضرورياً وإلى بعضه كسيباً، ثم ما يكون مع الإدراكات. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ٣ صـ ٦٢٤ ـ ٦٢٧﴾


الصفحة التالية
Icon