اعلم أن حاصل هذه الوجوه أنه لو نسب إلينا قولاً لم نقله لمنعناه عن ذلك إما بواسطة إقامة الحجة فإنا كنا نقيض له من يعارضه فيه، وحينئذ يظهر للناس كذبه فيه، فيكون ذلك إبطالاً لدعواه وهدماً لكلامه، وإما بأن نسلب عنده القدرة على التكلم بذلك القول، وهذا هو الواجب في حكمة الله تعالى لئلا يشتبه الصادق بالكاذب.
المسألة الثانية :
الوتين هو العرق المتصل من القلب بالرأس الذي إذا قطع مات الحيوان قال أبو زيد : وجمعه الوتن و ( يقال ) ثلاثة أوتنة والموتون الذي قطع وتينه، قال ابن قتيبة : ولم يرد أنا نقطعه بعينه بل المراد أنه لو كذب لأمتناه، فكان كمن قطع وتينه، ونظيره قوله عليه السلام :" ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع ابهرى " والأبهر عرق يتصل بالقلب، فإذا انقطع مات صاحبه فكأنه قال : هذا أوأن يقتلني السم وحينئذ صرت كمن انقطع أبهره.
فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧)
قال مقاتل والكلبي معناه ليس منكم أحد يحجزنا عن ذلك الفعل، قال الفراء والزجاج : إنما قال حاجزين في صفة أحد لأن أحداً هنا في معنى الجمع، لأنه اسم يقع في النفي العام مستوياً فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، ومنه قوله تعالى :﴿لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ﴾ [ البقرة : ٢٨٥ ] وقوله :﴿لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النساء﴾ [ الأحزاب : ٣٢ ] واعلم أن الخطاب في قوله :﴿فَمَا مِنكُم﴾ للناس.
واعلم أنه تعالى لما بين أن القرآن تنزيل من الله الحق بواسطة جبريل على محمد الذي من صفته أنه ليس بشاعر ولا كاهن، بين بعد ذلك أن القرآن ما هو ؟
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)
وقد بينا في أول سورة البقرة [ ٢ ] في قوله :﴿هُدًى لّلْمُتَّقِينَ﴾ ما فيه من البحث.
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩)
له بسبب حب الدنيا، فكأنه تعالى قال : أما من اتقى حب الدنيا فهو يتذكر بهذا القرآن وينتفع.