ومن بلاغة القرآن تعدية ﴿ سال ﴾ بالباء ليصلح الفعل لمعنى الاستفهام والدعاء والاستعجال، لأن الباء تأتي بمعنى ( عن ) وهو من معاني الباء الواقعة بعد فعل السؤال نحو ﴿ فاسال به خبيراً ﴾ [ الفرقان : ٥٩ ]، وقول علقمة:
فإن تسألوني بالنساء فإنني...
خبير بأدواء النساء طبيب
أي إن تسألوني عن النساء، وقال الجوهري عن الأخفش : يقال خرجنا نسأل عن فلان وبفلان.
وجعل في "الكشاف" تعدية فعل سأل بالباء لتضمينه معنى عُني واهتمّ.
وقد علمت احتمال أن يكون سال بمعنى استعجل، فتكون تعديته بالباء كما في قوله تعالى :﴿ ويستعجلونك بالعذاب ﴾ [ الحج : ٤٧ ] وقوله :﴿ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ﴾ [ الشورى : ١٨ ].
وقوله :﴿ للكافرين ﴾ يجوز أن يكون ظرفاً لغواً متعلقاً بـ ﴿ واقع، ﴾ ويجوز أن يكون ظرفاً مستقراً خبراً لمبتدأ محذوف، والتقدير : هو للكافرين.
واللام لشبه الملك، أي عذاب من خصائصهم كما قال تعالى :﴿ فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين ﴾ [ البقرة : ٢٤ ].
ووصف العذاب بأنه واقع، وما بعده من أوصافه إلى قوله :﴿ إنهم يرونه بعيداً ﴾ [ المعارج : ٦ ] إدماج معترض ليفيد تعجيل الإِجابة عما سأل عنه سائل بكلا معنيي السؤال لأن السؤال لم يحك فيه عذاب معين وإنما كان مُجْملاً لأن السائل سأل عن عذاب غير موصوف، أو الداعي دعا بعذاب غير موصوف، فحكي السؤال مجملاً ليرتب عليه وصفه بهذه الأوصاف والتعلقات، فينتقل إلى ذكر أحوال هذا العذاب وما يحفّ به من الأهوال.
وقد طويت في مطاوي هذه التعلقات جمل كثيرة كان الكلام بذلك إيجازاً إذ حصل خلالها ما يفهم منه جواب السائل، واستجابة الداعي، والإِنباء بأنه عذاب واقع عليهم من الله لا يدفعه عنهم دافع، ولا يغرهم تأخره.