في سورة الحاقة كان الاتجاه إلى تصوير الهول والرعب في هذا اليوم، ممثلين في حركات عنيفة في مشاهد الكون الهائلة:(فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة، وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة. فيومئذ وقعت الواقعة، وانشقت السماء فهي يومئذ واهية).. وفي الجلال المهيب في ذلك المشهد المرهوب:(والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية).. وفي التكشف الذي ترتج له وتستهوله المشاعر:(يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية)..
كذلك كان الهول والرعب يتمثلان في مشاهد العذاب، حتى في النطق بالحكم بهذا العذاب:(خذوه. فغلوه. ثم الجحيم صلوه. ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه).. كما يتجلى في صراخ المعذبين وتأوهاتهم وحسراتهم: (يا ليتني لم أوت كتابيه. ولم أدر ما حسابيه. يا ليتها كانت القاضية..)
فأما هنا في هذه السورة فالهول يتجلى في ملامح النفوس وسماتها وخوالجها وخطواتها، أكثر مما يتجلى في مشاهد الكون وحركاته. حتى المشاهد الكونية يكاد الهول يكون فيها نفسيا ! وهو على كل حال ليس أبرز ما في الموقف من أهوال. إنما الهول مستكن في النفس يتجلى مداه في مدى ما يحدثه فيها من خلخلة وذهول وروعة:(يوم تكون السماء كالمهل، وتكون الجبال كالعهن. ولا يسأل حميم حميما. يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه، وصاحبته وأخيه، وفصيلته التي تؤويه، ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه)..
وجهنم هنا "نفس" ذات مشاعر وذات وعي تشارك مشاركة الأحياء في سمة الهول الحي: إنها لظى. نزاعة للشوى. تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى..
والعذاب ذاته يغلب عليه طابع نفسي أكثر منه حسيا:(يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة، ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون)..


الصفحة التالية
Icon