وقال الشوكانى فى الآيات السابقة :
قوله :﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾
قرأ الجمهور :﴿ سأل ﴾ بالهمزة، وقرأ نافع، وابن عامر، بغير همزة، فمن همز، فهو من السؤال وهي اللغة الفاشية، وهو إما مضمن معنى الدعاء، فلذلك عدّي بالباء، كما تقول دعوت كذا، والمعنى : دعا داع على نفسه بعذاب واقع، ويجوز أن يكون على أصله، والباء بمعنى عن كقوله :﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾ [ الفرقان : ٥٩ ] ومن لم يهمز، فهو إما من باب التخفيف بقلب الهمزة ألفاً، فيكون معناها معنى قراءة من همز، أو يكون من السيلان، والمعنى : سال وادٍ في جهنم، يقال له : سائل، كما قال زيد بن ثابت.
ويؤيده قراءة ابن عباس ( سال سيل ) وقيل : إن سال بمعنى التمس، والمعنى : التمس ملتمس عذاباً للكفار، فتكون الباء زائدة كقوله :﴿ تَنبُتُ بالدهن ﴾ [ المؤمنون : ٢٠ ] والوجه الأوّل هو الظاهر.
وقال الأخفش : يقال : خرجنا نسأل عن فلان وبفلان.
قال أبو عليّ الفارسي : وإذا كان من السؤال، فأصله أن يتعدّى إلى مفعولين، ويجوز الاقتصار على أحدهما ويتعدى إليه بحرف الجر، وهذا السائل هو النضر بن الحارث حين قال :﴿ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ] وهو ممن قتل يوم بدر صبراً.
وقيل : هو أبو جهل، وقيل : هو الحارث بن النعمان الفهري، والأوّل أولى لما سيأتي.
وقرأ أبيّ، وابن مسعود " سال سال " مثل مال مال على أن الأصل سائل، فحذفت العين تخفيفاً، كما قيل : شاك في شائك السلاح.
وقيل : السائل هو نوح عليه السلام، سأل العذاب للكافرين، وقيل : هو رسول الله دعا بالعقاب عليهم، وقوله :﴿ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾ يعني : إما في الدنيا كيوم بدر، أو في الآخرة.


الصفحة التالية
Icon