وقال ابن عاشور :
﴿ يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (٨) ﴾
يجوز أن يتعلق ﴿ يوم تكون السماء ﴾ بفعل ﴿ تعرج ﴾ [ المعارج : ٤ ]، أو أن يتعلق بـ ﴿ يَوَدُّ المجرم ﴾ قدم عليه للاهتمام بذكر اليوم فيكون قوله :﴿ يوم تكون السماء كالمهل ﴾ ابتداء كلام، والجملة المجعولة مبدأ كلام تجعل بدل اشتمال من جملة ﴿ ولا يسأل حميم حميماً ﴾ لأن عدم المساءلة مسبب عن شدة الهَول، ومما يشتمل عليه ذلك أن يود المَوَل لو يفتدي من ذلك العذاب.
و﴿ المُهل ﴾ : دُردِيّ الزيتتِ.
والمعنى : تشبيه السماء في انحلال أجزائها بالزيت، وهذا كقوله في سورة الرحمان ( ٣٧ ) ﴿ فكانت وردة كالدِهان ﴾
والعِهن : الصوف المصبوغ، قيل المصبوغ مطلقاً، وقيل المصبوغ ألواناً مختلفة وهو الذي درج عليه الراغب والزمخشري، قال زهير :
كان فُتات العِهن في كل منزِلٍ
نَزلْنَ به حَبُّ الفَنا لم يُحَطَّم...
والفنا بالقصر : حب في البادية، يقال له : عنب الثعلب، وله ألوان بعضه أخضر وبعضه أصفر وبعضه أحمر.
والعهنة : شجر بالبادية لها ورد أحمر.
ووجه الشبه بالعهن تفرق الأجزاء كما جاءت في آية القارعة ( ٥ ) ﴿ وتكون الجبال كالعهن المنفوشِ ﴾ فإيثار العهن بالذكر لإِكمال المشابهة لأن الجبال ذات ألوان قال تعالى :﴿ ومن الجبال جُدد بيضٌ وحُمْرٌ مختلف ألوانها ﴾ [ فاطر : ٢٧ ].
وإنما تكون السماء والجبال بهاته الحالة حين ينحلّ تماسك أجزائهما عند انقراض هذا العالم والمصيرِ إلى عالم الآخرة.
ومعنى ﴿ ولا يسأل حميم حميماً ﴾ لشدة ما يعتري الناس من الهول فمن شدة ذلك أن يرى الحميم حميمه في كرب وعناء فلا يتفرغ لسؤاله عن حاله لأنه في شاغل عنه، فحذف متعلق ﴿ يسأل ﴾ لظهوره من المقام ومن قوله :﴿ يبصرونهم ﴾ أي يبصر الأخلاء أحوال أخلائهم من الكرب فلا يسأل حميم حميماً، قال كعب بن زهير:
وقال كل خليل كنتُ ءآمُله...
لا أُلْهِيَنَّك إِني عنك مشغول
والحميم : الخليل الصديق.


الصفحة التالية
Icon