احتج القائلون بأن الله في مكان، إما في العرش أو فوقه بهذه الآية من وجهين : الأول : أن الآية دلت على أن الله تعالى موصوف بأنه ذو المعارج وهو إنما يكون كذلك لو كان في جهة فوق والثاني : قوله :﴿تَعْرُجُ الملئكة والروح إِلَيْهِ﴾ فبين أن عروج الملائكة وصعودهم إليه، وذلك يقتضي كونه تعالى في جهة فوق والجواب : لما دلت الدلائل على امتناع كونه في المكان والجهة ثبت أنه لا بد من التأويل، فأما وصف الله بأنه ذو المعارج فقد ذكرنا الوجوه فيه، وأما حرف ( إلى ) في قوله :﴿تَعْرُجُ الملئكة والروح إِلَيْهِ﴾ فليس المراد منه المكان بل المراد انتهاء الأمور إلى مراده كقوله :﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمر كُلُّهُ﴾ [ هود : ١٢٣ ] المراد الانتهاء إلى موضع العز والكرامة كقوله :﴿إِنّى ذَاهِبٌ إلى رَبّى﴾ [ الصافات : ٩٩ ] ويكون هذا إشارة إلى أن دار الثواب أعلى الأمكنة وأرفعها.
المسألة الثالثة :
الأكثرون على أن قوله :﴿فِى يَوْمٍ﴾ من صلة قوله ﴿تَعْرُجُ﴾، أي يحصل العروج في مثل هذا اليوم، وقال مقاتل : بل هذا من صلة قوله :﴿بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ [ المعارج : ١ ] وعلى هذا القول يكون في الآية تقديم وتأخير والتقدير : سأل سائل بعذاب واقع في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وعلى التقدير الأول، فذلك اليوم، إما أن يكون في الآخرة أو في الدنيا، وعلى تقدير أن يكون في الآخرة، فذلك الطول إما أن يكون واقعاً، وإما أن يكون مقدراً فهذه هي الوجوه التي تحملها هذه الآية، ونحن نذكر تفصيلها القول الأول : هو أن معنى الآية أن ذلك العروج يقع في يوم من أيام الآخرة طوله خمسون ألف سنة، وهو يوم القيامة، وهذا قول الحسن : قال وليس يعني أن مقدار طوله هذا فقط، إذ لو كان كذلك لحصلت له غاية ولفنيت الجنة والنار عند تلك الغاية وهذا غير جائز، بل المراد أن موقفهم للحساب حتى يفصل بين الناس خمسون ألف سنة من سني الدنيا.


الصفحة التالية
Icon