المسألة الثانية :
ذكروا في تعلق هذه الآية بما قبلها وجوهاً أحدها : أنه لما احتج على صحة البعث دل على أنهم كانوا منكرين للبعث، فكأنه قيل لهم كلا إنكم منكرون للبعث، فمن أين تطمعون في دخول الجنة وثانيها : أن المستهزئين كانوا يستحقرون المؤمنين، فقال تعالى : هؤلاء المستهزئون مخلوقون مما خلقوا، فكيف يليق بهم هذا الاحتقار وثالثها : أنهم مخلوقون من هذه الأشياء المستقذرة، فلو لم يتصفوا بالإيمان والمعرفة، فكيف يليق بالحكيم إدخالهم الجنة.
فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (٤٠) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١)
يعني مشرق كل يوم من السنة ومغربه أو مشرق كل كوكب ومغربه، أو المراد بالمشرق ظهور دعوة كل نبي وبالمغرب موته أو المراد أنواع الهدايات والخذلانات ﴿إِنَّا لقادرون على أَن نُّبَدّلَ خَيْراً مّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ وهو مفسر في قوله :﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ على أَن نُّبَدّلَ أمثالكم﴾ [ الواقعة : ٦٠، ٦١ ] وقوله :﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ﴾ مفسر في آخر سورة والطور، واختلفوا في أن ما وصف الله بالقدرة عليه من ذلك هل خرج إلى الفعل أم لا ؟ فقال بعضهم : بدل الله بهم الأنصار والمهاجرين فإن حالتهم في نصرة الرسول مشهورة، وقال آخرون بل بدل الله كفر بعضهم بالإيمان، وقال بعضهم : لم يقع هذا التبديل، فإنهم أو أكثرهم بقوا على جملة كفرهم إلى أن ماتوا، وإنما كان يصح وقوع التبديل بهم لو أهلكوا، لأن مراده تعالى بقوله :﴿إِنَّا لقادرون على أَن نُّبَدّلَ خَيْراً مّنْهُمْ﴾ بطريق الإهلاك، فإذا لم يحصل ذلك فكيف يحكم بأن ذلك قد وقع، وإنما هدد تعالى القوم بذلك لكي يؤمنوا.
يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣)