قال الواحدي والبغوي وابن عطية وصاحب الكشاف } : كان المشركون يجتمعون حول النبي ﷺ ويستمعون كلامه ويكذبونه ويستهزئون بالمؤمنين، ويقولون : لئن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنها قبلهم وليكونن لنا فيها أكثر مما لهم.
فأنزل الله هذه الآية.
وقِبَل : اسم بمعنى ( عند ).
وتقديم الظرف على ﴿ مهطعين ﴾ للاهتمام به لأن التعجيب من حالهم في حضرة النبي ﷺ أقوى لما فيهم من الوقاحة.
وموقع قوله :﴿ عن اليمين وعن الشمال ﴾ مثل موقع ﴿ قبلك ﴾ وموقع ﴿ مهطعين.
والمقصود : كثرة الجهات، أي واردين إليك.
والتعريف في ﴿ اليمين ﴾ و ﴿ الشمال ﴾ تعريف الجنس أو الألف واللام عوض عن المضاف إليه.
والمقصود من ذكر اليمين والشمال : الإِحاطة بالجهات فاكتفي بذكر اليمين والشمال، لأنهما الجهتان اللتان يغلب حلولهما، ومثله قول قَطَريّ بن الفُجَاءَةِ:
فلقد أراني للرماح دَريئَةً...
مِن عَنْ يميني مَرّة وأَمامي
يريد : من كل جهة.
و﴿ عزِين ﴾ حال من ﴿ الذين كفروا ﴾.
و﴿ عزين ﴾ : جمع عِزَة بتخفيف الزاي، وهي الفِرقة من النّاس، اسم بوزن فِعْلَة.
وأصله عِزوة بوزن كِسوة، وليست بوزن عِدَة.
وجرى جمع عِزة على الإِلحاق بجمع المذكر السالم على غير قياس وهو من باب سَنَة من كل اسم ثلاثي حذفت لاَمه وعُوض عنها هاء التأنيث ولم يكسّر مثل عِضَة ( للقطعة ).
وهذا التركيب في قوله تعالى :﴿ فما للذين كفروا قِبَلك مهطعين ﴾ إلى قوله ﴿ جنة نعيم ﴾ يجوز أن يكون استعارة تمثيلية شبه حالهم في إسراعهم إلى النبي ﷺ بحال من يُظن بهم الاجتماع لطلب الهدى والتحصيل على المغفرة ليدخلوا الجنة لأن الشأن أن لا يلتف حول النبي ﷺ إلاّ طالبوا الاهتداء بهديه.
والاستفهام على هذا مستعمل في أصل معناه لأن التمثيلية تجري في مجموع الكلام مع بقاء كلماته على حقائقها.


الصفحة التالية
Icon