كلام مستأنف استئنافاً ابتدائياً للانتقال من إثبات الجزاء إلى الاحتجاج على إمكان البعث إبطالاً لشبهتهم الباعثة على إنكاره، وهو الإِنكار الذي ذكر إجمالاً بقوله المتقدم آنفاً ﴿ إنهم يَرونه بعيداً ونَراه قريباً ﴾ [ المعارج : ٦، ٧ ] فاحتج عليهم بالنشأة الأولى، كما قال تعالى :﴿ ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ﴾ [ الواقعة : ٦٢ ] فالخبر بقوله :﴿ إنّا خلقناهم مما يعلمون ﴾ مستعمل في لازم معناه وهو إثبات إعادة خلْقهم بعد فنائهم.
فهذا من تمام الخطاب الموجه إلى النبي ﷺ والمقصود منه أن يبلغ إلى أسماع المشركين كما تقدم آنفاً.
والمعنى : أنا خلقنا الإنسان من نطفة حتى صارت إنساناً عاقلاً مناظراً فكذلك نعيد خلقه بكيفية لا يعلمونها.
فما صْدَقُ ( ما يعلمون ) هو ما يعلمه كل أحد من أنه كون في بطن أمه من نطفة وعلقة، ولكنهم علموا هذه النشاة الأولى فألهاهم التعوّد بها عن التدبر في دلالتها على إمكان إعادة المكوَّن منها بتكوين آخر.
وعُدِل عن أن يقال : إنا خلقناهم من نطفة، كما قال في آيات أخرى ﴿ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ﴾ [ الإنسان : ٢ ] وقال :﴿ أو لم يرَ الإِنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾ [ يس : ٧٧، ٧٨ ] وغيرها من آيات كثيرة، عدل عن ذلك إلى الموصول في قوله :﴿ مما يعلمون ﴾ توجيهاً للتهكم بهم إذ جادلوا وعاندوا، وعِلْمُ ما جادلوا فيه قائم بأنفسهم وهم لا يشعرون، ومنه قوله تعالى :﴿ ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذَّكَّرون ﴾ [ الواقعة : ٦٢ ].


الصفحة التالية
Icon