رب. إني دعوت قومي ليلا ونهارا. فلم يزدهم دعائي إلا فرارا. وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم، وأصروا واستكبروا استكبارا. ثم إني دعوتهم جهارا. ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا. فقلت: استغفروا ربكم، إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمدكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا. مالكم لا ترجون لله وقارا ؟ وقد خلقكم أطوارا ؟ ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا ؟ وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا ؟ والله أنبتكم من الأرض نباتا، ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا. والله جعل لكم الأرض بساطا، لتسلكوا منها سبلا فجاجا.. !
ثم يقول بعد عرض هذا الجهد الدائب الملح الثابت المصر:
(رب إنهم عصوني، واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا. ومكروا مكرا كبارا. وقالوا لا تذرن آلهتكم، ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا. وقد أضلوا كثيرا...)..
وهي حصيلة مريرة. ولكن الرسالة هي الرسالة !
هذه التجربة المريرة تعرض على رسول الله ( ﷺ ) وهو الذي انتهت إليه أمانة دعوة الله في الأرض كلها في آخر الزمان، واضطلع بأكبر عبء كلفه رسول.. يرى فيها صورة الكفاح النبيل الطويل لأخ له من قبل، لإقرار حقيقة الإيمان في الأرض. ويطلع منها على عناد البشرية أمام دعوة الحق ; وفساد القيادة الضالة وغلبتها على القيادة الراشدة. ثم إرادة الله في إرسال الرسل تترى بعد هذا العناد والضلال منذ فجر البشرية على يدي جدها نوح عليه السلام.