وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً ﴾
أي سِرًّا وجهراً.
وقيل : أي واصلت الدعاء.
﴿ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعآئي إِلاَّ فِرَاراً ﴾ أي تباعداً من الإيمان.
وقراءة العامة بفتح الياء من "دعائي" وأسكنها الكوفيون ويعقوب والدّورِي عن أبي عمرو.
قوله تعالى :﴿ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ ﴾
أي إلى سبب المغفرة، وهي الإيمان بك والطاعة لك.
﴿ جعلوا أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ ﴾ لئلا يسمعوا دعائي ﴿ واستغشوا ثِيَابَهُمْ ﴾ أي غطّوا بها وجوههم لئلا يروه.
وقال ابن عباس : جعلوا ثيابهم على رؤوسهم لئلا يسمعوا كلامه.
فاستغشاءُ الثياب إذاً زيادة في سدّ الآذان حتى لا يسمعوا، أو لتنكيرهم أنفسهم حتى يسكت، أو ليعرّفوه إعراضهم عنه.
وقيل : هو كناية عن العداوة.
يقال : لبس لي فلان ثياب العداوة.
﴿ وَأَصَرُّواْ ﴾ أي على الكفر فلم يتوبوا.
﴿ واستكبروا ﴾ عن قبول الحق، لأنهم قالوا :﴿ أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون ﴾ [ الشعراء : ١١١ ].
﴿ استكبارا ﴾ تفخيم.
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً ﴾
أي مُظْهراً لهم الدعوة.
وهو منصوب ب"دعوتهم" نصب المصدر، لأن الدعاء أحد نوعيه الجهار، فنصب به نصب القرفصاء بقعد، لكونها أحد أنواع القعود، أو لأنه أراد ب"دَعَوْتُهُمْ" جاهرتهم.
ويجوز أن يكون صفة لمصدر دعاء، أي دعاء جهاراً، أي مجاهراً به.
ويكون مصدراً في موضع الحال، أي دعوتهم مجاهراً لهم بالدعوة.
﴿ ثُمَّ إني أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً ﴾ أي لم أبق مجهوداً.
وقال مجاهد : معنى أعلنت : صحت، "وأسررت لهم إسراراً".
بالدعاء عن بعضهم من بعض.
وقيل :﴿ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ ﴾ أتيتهم في منازلهم.
وكل هذا من نوح عليه السلام مبالغة في الدعاء لهم، وتلطُّف في الاستدعاء.
وفتح الياء من ﴿ إني أَعْلَنْتُ لَهُمْ ﴾ الحرميّون وأبو عمرو.
وأسكن الباقون. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٨ صـ ﴾