﴿ قَالَ ﴾ أي نوحٌ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مناجياً ربَّهُ وحاكياً له تعالَى وهو أعلمُ بحالِهِ ما جرَى بينَهُ وبينَ قومه من القيلِ والقالِ في تلكَ المددِ الطوالِ بعدَ ما بذلَ في الدعوةِ غايةَ المجهودِ وجاوزَ في الإنذارِ كلَّ حدَ معهودٍ وضاقتْ عليهِ الحيلُ وعيت بهِ العللُ. ﴿ رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى ﴾ إلى الإيمانِ والطَّاعةِ ﴿ لَيْلاً وَنَهَاراً ﴾ أي دائماً من غيرِ فتورٍ ولا توانٍ ﴿ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِى إِلاَّ فِرَاراً ﴾ ممَّا دعوتُهُم إليهِ وإسنادُ الزيادةِ إلى الدعاءِ لسببيتِهِ لها كما في قولِهِ تعالَى :﴿ زَادَتْهُمْ إيمانا ﴾ ﴿ وَإِنّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ ﴾ أي إلى الإيمانِ ﴿ لِتَغْفِرَ لَهُمْ ﴾ بسببهِ ﴿ جَعَلُواْ أصابعهم فِى ءاذانهم ﴾ أيْ سدُّوا مسامِعَهُم منِ استماعِ الدعوةِ ﴿ واستغشوا ثِيَابَهُمْ ﴾ أي بالغُوا في التغطِّي بهَا كأنَّهُم طلبُوا أنْ تغشاهُم ثيابُهُم أو تُغشِّيهم لئلا يُبصروه كراهةَ النظرِ إليهِ أو لئلا يعرفَهُم فيدعُوَهُم ﴿ وَأَصَرُّواْ ﴾ أي أكبُّوا على الكفرِ والمعاصِي مستعارٌ منْ أصرَّ الحمارُ على العانةِ إذَا أصرَّ أذنيهِ وأقبلَ عليهَا ﴿ واستكبروا ﴾ عن اتِّباعي وطاعتي ﴿ استكبارا ﴾ شديداً ﴿ ثُمَّ إِنّى دَعَوْتُهُمْ جهارا * ثُمَّ إِنّى أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً ﴾ أي دعوتُهُم تارةً جهراً ومرةً غبَ مرةٍ على وجوهٍ مُتخالفةٍ وأساليبَ متفاوتةٍ، وثُمَّ لتفاوتِ الوجوهِ فإنَّ الجِهارَ أشدُّ من الإسرارِ، والجمعُ بينَهُمَا أغلظُ من الإفرادِ أو لتراخِي بعضِهَا عن بعضٍ، وجهاراً منصوبٌ بدعوتُهُم على المصدرِ لأنَّه أحدُ نَوْعَيْ الدعاءِ أو أُريدَ بدعوتُهُم جاهرتُهُم أو هو صفةٌ لمصدرٍ أي دعوتُهُم دعاءً جهاراً أي مُجاهِراً به أو مصدرٌ في موقعِ الحالِ أي مُجاهراً. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٩ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon