ترى تساوي الحصيلة كل هذه الجهود، وكل هذه التضحيات، وكل هذا الجهاد المرير الشاق ؟ ثم.. ترى هذه البشرية كلها تساوي تلك العناية الكريمة من الله، المتجلية في استقرار إرادته سبحانه على إرسال الرسل تترى بعد العناد والإعراض والإصرار والاستكبار، من هذا الخلق الهزيل الصغير المسمى بالإنسان ؟!
والجواب بعد التدبر: أن نعم.. وبلا جدال.. !
إن استقرار حقيقة الإيمان بالله في الأرض يساوي كل هذا الجهد، وكل هذا الصبر، وكل هذه المشقة، وكل هذه التضحيات النبيلة المطردة من الرسل وأتباعهم الصادقين في كل جيل !
ولعل استقرار هذه الحقيقة أكبر من وجود الإنسان ذاته ; بل أكبر من الأرض وما عليها ; بل أكبر من هذا الكون الهائل الذي لا تبلغ الأرض أن تكون فيه هباءة ضائعة لا تكاد تحس أو ترى !
وقد شاءت إرادة الله أن يخلق هذا الكائن الإنساني بخصائص معينة، تجعل استقرار هذه الحقيقة في ضميره وفي نظام حياته موكولا إلى الجهد الإنساني ذاته، بعون الله وتوفيقه. ولسنا نعلم لم خلق الله هذا الكائن بهذه الخصائص. ووكله إلى إدراكه وجهده وإرادته في تحقيق حقيقة الإيمان في ذاته وفي نظام حياته ; ولم يجبله على الإيمان والطاعة لا يعرف غيرهما كالملائكة، أو يمحضه للشر والمعصية لا يعرف غيرهما كإبليس.
لسنا نعلم سر هذا. ولكننا نؤمن بأن هنالك حكمة تتعلق بنظام الوجود كله في خلق هذا الكائن بهذه الخصائص !
وإذن فلا بد من جهد بشري لإقرار حقيقة الإيمان في عالم الإنسان. هذا الجهد اختار الله له صفوة من عباده هم الأنبياء والرسل. وثلة مختارة من أتباعهم هم المؤمنون الصادقون. اختارهم لإقرار هذه الحقيقة في الأرض، لأنها تساوي كل ما يبذلون فيها من جهود مضنية مريرة، وتضحيات شاقة نبيلة.


الصفحة التالية
Icon