قال القاضي أبو محمد : والاستغفار الذي أحال عليه الحسن ليس هو عندي لفظ الاستغفار فقط، بل الإخلاص والصدق في الأعمال والأقوال، فكذلك كان استغفار عمر رضي الله عنه، وروي أن قوم نوح كانوا قد أصابهم قحوط وأزمة، فلذلك بدأهم في وعده بأمر المطر ثم ثنى بالأموال والبنين. قال قتادة : لأنهم كانوا أهل حب للدنيا وتعظيم لأمرها فاستدعاهم إلى الآخرة من الطريق التي يحبونها، و" مدرار " : مفعال من الدر، كمذكار ومئناث، وهذا البناء لا تلحقه التأنيث.
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (١٢)
وعدهم بالأموال والبنين والجنات والأنهار لمكان حبهم للدنيا، واختلف الناس في معنى قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام :﴿ ما لكم لا ترجون لله وقاراً ﴾ فقال أبو عبيدة وغيره :﴿ ترجون ﴾ معناه تخافون، ومنه قول الشاعر [ أبو ذؤيب الهذلي ] :[ الطويل ]
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها... وحالفها في بيت نوب عواسل
قالوا والوقار : العظمة والسلطان، فكأن الكلام على هذا وعيد وتخويف، وقال بعض العلماء ﴿ ترجون ﴾ على بابها في الرجاء وكأنه قال : ما لكم لا تعجلون رجاءكم لله وتلقاءه وقاراً، ويكون على هذا التاويل منهم كأنه يقول : تؤدة منكم وتمكناً في النظر لأن الكفر مضمنه الخفة والطيش وركوب الرأس، وقوله تعالى :﴿ وقد خلقكم أطواراً ﴾ قال ابن عباس ومجاهد : هي إشارة إلى التدريج الذي للإنسان في بطن أمه من النطفة والعلقة والمضغة، وقال جماعة من أهل التأويل هي إشارة إلى العبرة في اختلاف ألوان الناس وخلقهم وخلقهم ومللهم، والأطوار : الأحوال المختلفة. ومنه قول النابغة :[ البسيط ]
فإن أفاق فقد طارت عمايته... والمرء يخلق طوراً بعد أطوار. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon