*وكذلك لولا بَرْدهُ لحرارة الْـ * أكباد ذابت بالحجاب تحرّقا*
*أَيكون قطُّ حليفُ لا يُرى * برجائه لحبيبه متعلِّقا*
*أَم كلَّما قويت محبَّته له * قوى الرّجاءُ فزاد فيه تشوّقا*
*لولا الرّجا يحدو المطىّ لما سرت * بحُمولها لديارهم ترجو اللَّقا*
وعلى حسب المحبّة وقوّتها يكون الرّجاءُ.
وكلُّ محبٍّ راج وخائف بالضرورة، فهو أَرجى ما يكون بحيبيه أَحبَّ ما كان إِليه.
وكذلك خوفه فإِنَّه يخاف سقوطه من عينه وطرد محبوبه له وإِبعاده واحتجابه عنه.
فخوفه أَشدّ خوف.
فكلّ محبّة مصحوبة بالخوف والرّجاء، وعلى قدر تمكُّنها من قلب المحبِّ يشتدّ خوفه ورجاؤه.
ولكن خوف المحب لا يصحبه خشية بخلاف خوف المسىء، ورجاءُ المحبِّ لا يصحبه غاية بخلاف رجاء الأجير.
فأَين رجاءُ المحبِّ من رجاء ِ الأَجير؟! بينهما كما بين حاليهما.
وبالجملة فالرّجاءُ ضرورى للسّالك والعارف، ولو فارقه لحْظه لتلف أَو كاد، فإِنَّه دائر بين ذنب يرجو غفرانه، وعيب يرجو إِصلاحه، وعمل صالح يرجو قبوله، واستقامة يرجو حصولها أَو دوامها، وقربٍ من الله ومنزلة عنده يرجو وصوله إِليها.
ولا ينفكُّ أَحد من السَّالكين من هذه الأُمور أَو من بعضها.
والفرق بين الرّجاءِ والتَّمنِّى أَن التمنى يكون مع الكسل، ولا يسلك بصاحبه طُرُق / الجدّ والاجتهاد، والرّجاءُ يكون مع بذل الجهد وحسن التَّوكُّل، ولهذا أَجمع العارفون على أَنَّ الرّجاءَ لا يصحُّ إِلاَّ مع العمل.
والرّجاءُ ثلاثة أَنواع : نوعان محمودان، ونوعُ غُرورٍ مذموم.
فالأَولان رجاءُ رجل عمل بطاعة الله على نور الله، فهو راجٍ لثوابه، ورجل أَذنب ذنباً ثم تاب منه، فهو راج لمغفرته.
والثالث رجل متماد فى التفريط والخطايا يرجو رحمة الله بلا عمل، فهذا هو الغُرور والتَّمنِّى والرّجاءُ الكاذب.


الصفحة التالية
Icon