ولما كانت السماء شفافات قال :﴿فيهن﴾ أي السماوات جميعهن ﴿نوراً﴾ أي لامعاً منتشراً كاشفاً للمرئيات، أحد وجهيه يضيء لأهل الأرض والثاني لأهل السماوات، ولما كان نوره مستفاداً من نور الشمس قال :﴿وجعل﴾ معظماً لها بإعادة العامل ﴿الشمس﴾ أي في السماء الرابعة ﴿سراجاً﴾ أي نوراً عظيماً كاشفاً لظلمه الليل عن وجه الأرض وهي في السماء الرابعة، وروى ابن مردويه وعبد الرزاق والطبري عن ابن عباس وعبد الله بن عمرو ـ رضى الله عنه ـ م :" إن الشمس والقمر وجوههما مما يلي السماء، وأقفيتهما إلى الأرض " ؛ وروى الحاكم منه ذكر القمر وجعلهما سبحانه آية على رؤية عباده المحسنين له في الجنة فإنه يرى كل أحد كلاًّ من مكانه مخلياً به، وكذلك يرونه سبحانه عياناً جهاراً كما رأوه في الدنيا بالإيمان نظراً واعتباراً، ولما دل على كمال علمه وتمام قدرته بخلق الإنسان ثم بخلق ما هو أكبر منه أعاد الدلالة بخلق الإنسان لأنه أعظم المحدثات وأدلها على الله سبحانه وتعالى على وجه آخر مبين لبعض ما أشار إليه الأول من التفصيل مصرحاً بالبعث فقال مستعيراً الإنبات للإنشاء :﴿والله﴾ أي الملك الأعظم الذي له الأمر كله ﴿أنبتكم﴾ أي بخلق أبيكم آدم عليه الصلاة والسلام ﴿من الأرض﴾ أي كما ينبت الزرع، وعبر بذلك تذكيراً لنا لما كان من خلق أبينا آدم عليه الصلاة والسلام لأنه أدل على الحدوث والتكون من الأرض، وأشار إلى أنه جعل غذءانا من الأرض التي خلقنا منها، وبذلك الغذاء نمونا.
ولما كان إنكارهم للبعث كأنه إنكار للابتداء أكده بالمصدر وأجراه على غير فعله بتجريده من الزيادة، إشارة إلى هوانه عليه سبحانه وتعالى وسهولته مع أنه إبداع وابتداء واختراع فقال :﴿نباتاً﴾ ومع ذلك فالآية صالحة للاحتباك : ذكر " أنبت " أولاً دال على حذف مصدره ثانياً، وذكر " النبات " ثانياً دال على حذف فعله أولاً، ليكون التقدير : أنبتكم إنباتاً فنبتم نباتاً.