وقال الشوكانى فى الآيات السابقة :
قوله :﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ ﴾
قد تقدّم أن نوحاً أوّل رسول أرسله الله، وهو نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ بن قينان بن شيث بن آدم، وقد تقدّم مدّة لبثه في قومه، وبيان جميع عمره، وبيان السنّ التي أرسل وهو فيها في سورة العنكبوت.
﴿ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ ﴾ أي : بأن أنذر على أنها مصدرية.
ويجوز أن تكون هي المفسرة ؛ لأن في الإرسال معنى القول.
وقرأ ابن مسعود ﴿ أنذر ﴾ بدون أن، وذلك على تقدير القول، أي فقلنا له : أنذر ﴿ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي : عذاب شديد الألم، وهو عذاب النار.
وقال الكلبي : هو ما نزل بهم من الطوفان.
وجملة :﴿ قَالَ يَا قَوْمٌ إِنَّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ مستأنفة استئنافاً بيانياً على تقدير سؤال، كأنه قيل : فماذا قال نوح؟ فقال : قال لهم إلخ.
والمعنى : إني لكم منذر من عقاب الله ومخوّف لكم، ومبين لما فيه نجاتكم.
﴿ أَنِ اعبدوا الله واتقوه وَأَطِيعُونِ ﴾ "أن" هي التفسيرية لنذير، أو هي المصدرية أي : بأن اعبدوا الله ولا تشركوا به غيره، ﴿ واتقوه ﴾ أي : اجتنبوا ما يوقعكم في عذابه، ﴿ وأطيعون ﴾ فيما آمركم به فإني رسول إليكم من عند الله.
﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ ﴾ هذا جواب الأمر، و"من" للتبعيض، أي : بعض ذنوبكم، وهو ما سلف منها قبل طاعة الرسول وإجابة دعوته.
وقال السديّ : المعنى يغفر لكم ذنوبكم، فتكون "من" على هذا زائدة.
وقيل : المراد بالبعض : ما لا يتعلق بحقوق العباد.
وقيل : هي لبيان الجنس.
وقيل : يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها ﴿ وَيُؤَخّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ أي : يؤخر موتكم إلى الأمد الأقصى الذي قدّره الله لكم بشرط الإيمان والطاعة فوق ما قدّره لكم، على تقدير بقائكم على الكفر والعصيان.