قال أبو حيان : قال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث وكان من رصاص يحمل على جمل أجرد، يسيرون معه لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك، فإذا برك نزلوا وقالوا : قد رضي لكم المنزل، فينزلون حوله ويضربون عليه بناء، وروي عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ في سبب وصول شر تلك الأوثان إلى العرب أنها دفنها الطوفان ثم أخرجها الشيطان لمشركي العرب، وكانت للعرب أصنام أخر فاللات لثقيف، والعزى لسليم وغطفان وجشيم، ومنات بديد لهذيل، وإساف ونايلة وهبل لأهل مكة، وكان إساف حيال الحجر الأسود، ونايلة حيال الركن اليماني، وكان هبل في جوف الكعبة - انتهى، وقال الواقدي : ود على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة نسر - انتهى.
ولا يعارض هذا أنهم صور لناس صالحين لأن تصويرهم لهم يمكن أن يكون منتزعاً من معانيهم، فكأن وداً كان أكملهم في الرجولية، وكانت سواع امرأة كاملة في العبادة، وكان يغوث شجاعاً، ويعوق كان سباقاً قوياً، وكان نسر عظيماً طويل العمر - والله تعالى أعلم.
ولما ذكر مكرهم وما أظهروا من قولهم، عطف عليه ما توقع السامع من أمره فقال :﴿وقد أضلوا﴾ أي الأصنام وعابدوها بهذه العبادة ﴿كثيراً﴾ من عبادك الذين خلقتهم على الفطرة السليمة من أهل زمانهم وممن أتى بعدهم فإنهم أول من سن هذه السنة السيئة فعليهم وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.


الصفحة التالية