ذكر أبو زيد البلخي في كتابه في الرد على عبدة الأصنام أن العلم بأن هذه الخشبة المنحوتة في هذه الساعة ليست خالقة للسموات والأرض، والنبات والحيوان علم ضروري، والعلوم الضرورية لا يجوز وقوع الاختلاف فيها بين العقلاء، وعبادة الأوثان دين كان موجوداً قبل مجيء نوح عليه السلام بدلالة هذه الآية، وقد استمر ذلك الدين إلى هذا الزمان، وأكثر سكان أطراف المعمورة على هذا الدين، فوجب حمل هذا الدين على وجه لا يعرف فساده بضرورة العقل، وإلا لما بقي هذه المدة المتطاولة في أكثر أطراف العالم، فإذاً لا بد وأن يكون للذاهبين إلى ذلك المذهب تأويلات أحدها : قال أبو معشر جعفر بن محمد المنجم : هذه المقالة إنما تولدت من مذهب القائلين بأن الله جسم وفي مكان، وذلك لأنهم قالوا : إن الله نور هو أعظم الأنوار، والملائكة الذين هم حافون حول العرش الذي هو مكانه، هم أنوار صغيرة بالنسبة إلى ذلك النور الأعظم، فالذين اعتقدوا هذا المذهب اتخذوا صنماً هو أعظم الأصنام على صورة إلههم الذي اعتقدوه، واتخذوا أصناماً متفاوتة، بالكبر والصغر والشرف والخسة على صورة الملائكة المقربين، واشتغلوا بعبادة تلك الأصنام على اعتقاد أنهم يعبدون الإله والملائكة، فدين عبادة الأوثان إنما ظهر من اعتقاد التجسيم الوجه الثاني : وهو أن جماعة الصابئة كانوا يعتقدون أن الإله الأعظم خلق هذه الكواكب الثابتة والسيارة، وفوض تدبير هذا العالم السفلي إليها، فالبشر عبيد هذه الكواكب، والكواكب عبيد الإله الأعظم، فالبشر يجب عليهم عبادة الكواكب، ثم إن هذه الكواكب كانت تطلع مرة وتغيب أخرى، فاتخذوا أصناماً على صورها واشتغلوا بعبادتها، وغرضهم عبادة الكواكب الوجه الثالث : أن القوم الذين كانوا في قديم الدهر، كانوا منجمين على مذهب أصحاب الأحكام، في إضافات سعادات هذا العالم ونحوساتها إلى الكواكب، فإذا اتفق في الفلك شكل عجيب صالح لطلسم عجيب،