وبعد أن عدد مساوئهم وتحقق إياسه منهم وقد توغر صدره عليه السلام طيلة عشرة قرون تقريبا وهو يدعوهم إلى الإيمان باللّه وترك لأوثان ولم يصغوا له وأصروا على تكذيبهم له وازدادت إهانتهم له، دعا عليهم كما ذكر اللّه "وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً" ٢٦ يدور عليها أو يسكن فيها، وهذه الكلمة لا تستعمل إلا بالنفي العام ولم تكرر في القرآن، يقال ما بالدار ديار أو ديّور، أي ما بها أحد، وأصله ديوارا اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في مثلها.
وإشراك غير قومه بالدعاء يثبت عموم بعثته عليه السلام من حيث آخرها كما أشرنا إليه في الآية ٧٣ من سورة يونس المارة، واستدل بعضهم في هذه الآية على عموم الطوفان، على أن لفظ الأرض يطلق على قطعة منها، قال تعالى (فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ) الآية ١٠٣
من سورة الإسراء ج ١، إذ المراد بها أرض مصر فقط، وقال تعالى (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ) الآية ٧١ منها، والمراد بها مكة، لأنه لا قدرة لهم على غيرها، كما أن سلطان مصر لا حكم له على غيرها لقوله تعالى (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الآية ٢٥ من القصص في ج ١ أيضا، إذ لو كان لسلطان مصر سلطان على أرض مدين التي فيها شعيب لما قال هذا الكلام لموسى وفي هذه الآية دليل أيضا على أن البلاء يعم لأن اللّه تعالى أغرق معهم أطفالهم وحيواناتهم، قال تعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) الآية ٢٥ من الأنفال في ج ٣، وقدمنا ما يتعلق في هذا في الآية ٤٤ من سورة يونس فراجعه.
ثم بين السبب في طلب إهلاكهم جميعا بقوله "إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ" يا سيدي على ما هم عليه من الكفر "يُضِلُّوا عِبادَكَ" بسوقهم إلى الضلال، قال ابن عباس :