وارسال نوح عليه السلام لم يكن ملتبساً بإنذاره لتأخره عنه وإنما هو ملتبس بقول الله تعالى له عليه السلام أنذر ولما كان هذا القول منه تعالى لطلب الإنذار قيل المعنى أرسلناه بالأمر بالإنذار وكان هذا القائل لا يبالي بفوات معنى الطلب كما يقتضيه كلام ابن هشام المتقدم آنفاً وبحث الخفاجي فيما ذكروه من الفوات فقال كيف يفوت معنى الطلب وهو مذكور صريحاً في أنذر ونحوه وتأويله بالمصدر المسبوك تأويل لا ينافيه لأنه مفهوم أخذوه من موارد استعماله فكيف يبطل صريح منطوقه فما ذكروه مما لا وجه له وان اتفقوا عليه فاعرفه انتهى ﴿ وأقول ﴾ لعلهم أرادوا بفوات معنى الطلب فواته عند ذكر المصدر الحاصل من التأويل بالفعل على معنى أنه إذا ذكر بالفعل لا يتحقق معنى الطلب ولا يتحد الكلامان ولم يريدوا أنه يفوت مطلقاً كيف وتحققه في المنطوق الصريح كنار على علم ويؤيد هذا منعهم بطلان اللازم المشار إليه بقول ابن هشام ان فوات معنى الأمرية عند التقدير بالمصدر كفوات المضي والاستقبال الخ فكأنه قيل لا نسلم أن هذا الفوات باطل لم لا يجوز أن يكون كفوات معنى المضي والاستقبال وفوات معنى الدعاء في نحو
﴿ أن غضب ﴾ [ النور : ٩ ] وقد أجمعوا أن ذلك ليس بباطل لأنه فوات عند الذكر بالفعل وليس بلازم وليس بفوات مطلقاً لظهور أن المنطوق الصريح متكفل به فتدبر وقرأ ابن مسعود أنذر بغير أن على إرادة القول أي قائلين أنذر ﴿ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ عاجل وهو ما حل بهم من الطوفان كما قال الكلبي أو آجل وهو عذاب النار كما قال ابن عباس والمراد أنذرهم من قبل ذلك لئلا يبقى لهم عذر ما أصلا.


الصفحة التالية
Icon