ولا خفاء في أن بناء الجواب المذكور على كون من للتبعيض إنما يصح إذا كان مدلولها حينئذ البعضية المجردة المنافية للكلية ومن هنا تعجب من صاحب التوضيح في تقرير الخلاف المذكور حيث استدل على أولوية التبعيض بتيقنه ولم يدر أن البعض المراد قطعاً على تقدير البيان البعض العام الشامل لما في ضمن الكل لا البعض المجرد المراد هنا فبالتعليل على الوجه المذكور لا يتم التقريب بل لا انطباق بين التعليل والمعلل على ما قيل وصوب العلامة التفتازاني حيث قال فيما علقه على التلويح مستدلاً على أن البعضية التي تدل عليها من التبعيضية هي البعضية المجردة المنافية للكيلة لا البعضية التي هي أعم من أن تكون في ضمن الكل أو بدونه لاتفاق النحاة على ذلك حيث احتاجوا إلى التوفيق بين قوله تعالى يغفر لكم من ذنوبكم وقوله تعالى ﴿ إن الله يغفر الذنوب جميعاً ﴾ [ الزمر : ٥٣ ] فقالوا لا يبعد أن يغفر سبحانه الذنوب لقوم وبعضها لآخرين أو خطاب البعض لقوم نوح عليه السلام وخطاب الكل لهذه الأمة ولم يذهب أحد إلى أن التبعيض لا ينافي الكلية ولم يصوب الشريف في رده عليه قائلاً وفيه بحث إذ الرضي صرح بعدم المنافاة بينهما حيث قال ولو كان أيضاً خطاباً لأمة واحدة فغفران بعض الذنوب لا يناقض غفران كلها بل عدم غفران بعضها يناقض غفران كلها لأن قول الرضى غير مرتضى لما عرفت من أن مدلول التبعيضية البعضية المجردة واعترض قول النحاة أو خطاب البعض لقوم نوح عليه السلام وخطاب الكل لهذه الأمة بأن الأخبار عن مغفرة البعض ورد في مواضع منها قوله تعالى في سروة إبراهيم ﴿ يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ﴾ [ الأحقاف : ١٠ ] ومنها في سورة الأحقاف ﴿ يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ﴾ [ الأحقاف : ٣١ ] ومنها ما هنا وهو الذي ورد في قوم نوح عليه السلام وأما ما ذكر في الأحقاف فقد ورد في الجن وما ورد في إبراهيم فقد ورد في قوم نوح وعاد، وثمود على ما أفصح