" أنهم فقدوه ـ ﷺ ـ ليلة من الليالي فالتمسوه في الأودية والشعاب، فلما أصبح إذا جاء من قبل حراء فقال : أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن، فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، ومنها ما كان معه عبد الله ـ رضى الله عنه ـ فذهب معه إلى الحجون عند الشعب فخط عليه خطاً، وقال : لا تجاوزه، فانحدر عليه أمثال الحجل يجرون الحجارة بأقدامهم حتى غشوه فلا أراه، وأومأ إليّ بيده أن اجلس، فتلا القرآن، فلم يزل صوته يرتفع واختفوا بالأرض حتى ما أراهم " قال الأصبهاني : وقيل : كانوا من بني الشيصبان وهم أكثر الجن عدداً وهم عامة جنود إبليس، وقال القشيري : لما رجمت الشياطين بالشهب فرق إبليس جنوده لعلم ذلك فأتى سبعة منهم بطن نخلة فاستمعوا قراءة النبي ـ ﷺ ـ فآمنوا ثم أتوا قومهم فقالوا : يا قومنا إنا سمعنا قرآناً عجباً، يعني ولم يرجعوا إلى إبليس لما علموه من كذبه وسفاهته، وجاؤوا إلى النبي ـ ﷺ ـ في سبعين من قومهم فأسلموا، فذلك قوله تعالى :﴿وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه﴾ [ الأحقاف : ٢٩ ] الآيات ﴿فقالوا﴾ أي فتسبب عن استماعهم أن قال من سمع منهم لمن لم يسمع، أو لمن كان يواخيهم من الإنس امتثالاً لقول النبي ـ ﷺ ـ " رحم الله امرأً سمع منا مقالة فوعاها فأداها كما سمعها " وكان قولهم سكوناً إلى هذا ا لقرآن وأنسابه، مؤكدين لبعد حالهم عن سماع الوحي وعلمهم بما زاد به من الإعجاز :﴿إنا﴾ بالكسر لأنه مبتدأ محكي بعد القول ﴿سمعنا﴾ حين تعمدنا الإصغاء وألقينا إليه أفهامنا ﴿قرآناً﴾ أي كلاماً هو في غاية الانتظام في نفسه والجمع لجميع ما نحتاج إليه، ثم وصفوه بالمصدر مبالغة في أمره فقالوا :﴿عجباً﴾ أي بديعاً خارجاً عن عادة أمثاله من جميع الكتب الإلهية فضلاً عن كلام الناس في جلالة النظم وإعجاز التركيب والوضع مع