المفارقة من البدن، فسبب تلك المشاكلة يحصل لتلك النفس المفارقة تعلق ما لهذا البدن، وتصير تلك النفس المفارقة كالمعاونة لنفس ذلك البدن في أفعالها وتدبيرها لذلك البدن، فإن الجنسية علة الضم، فإن اتفقت هذه الحالة في النفوس الخيرة سمي ذلك المعين ملكاً وتلك الإعانة إلهاماً، وإن اتفقت في النفوس الشريرة سمي ذلك المعين شيطاناً وتلك الإعانة وسوسة.
والقول الثاني : في الجن أنهم أجسام ثم القائلون بهذا المذهب اختلفوا على قولين، منهم من زعم أن الأجسام مختلفة في ماهياتها، إنما المشترك بينها صفة واحدة، وهي كونها بأسرها حاصلة في الحيز والمكان والجهة وكونها موصوفة بالطول والعرض والعمق، وهذه كلها إشارة إلى الصفات، والاشتراك في الصفات لا يقتضي الإشتراك في تمام الماهية لما ثبت أن الأشياء المختلفة في تمام الماهية لا يمتنع اشتراكها في لازم واحد.
قالوا : وليس لأحد أن يحتج على تماثل الأجسام بأن يقال : الجسم من حيث إنه جسم له حد واحد، وحقيقة واحدة، فيلزم أن لا يحصل التفاوت في ماهية الجسم من حيث هو جسم، بل إن حصل التفاوت حصل في مفهوم زائد على ذلك، وأيضاً فلأنه يمكننا تقسيم الجسم إلى اللطيف والكثيف، والعلوي والسفلي، ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام، فالأقسام كلها مشتركة في الجسمية والتفاوت، إنما يحصل بهذه الصفات، وهي اللطافة والكثافة، وكونها علوية وسفلية قالوا : وهاتان الحجتان ضعيفتان.