فصل


قال الفخر :
النوع الخامس : قوله تعالى :
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (٦)
فيه قولان : الأول : وهو قول جمهور المفسرين أن الرجل في الجاهلية إذا سافر فأمسى في قفر من الأرض قال : أعوذ بسيد هذا الوادي أو بعزيز هذا المكان من شر سفهاء قومه، فيبيت في جوار منهم حتى يصبح، وقال آخرون : كان أهل الجاهلية إذا قحطوا بعثوا رائدهم، فإذا وجد مكاناً فيه كلأ وماء رجع إلى أهله فيناديهم، فإذا انتهوا إلى تلك الأرض نادوا نعوذ برب هذا الوادي من أن يصيبنا آفة يعنون الجن، فإن لم يفزعهم أحد نزلوا، وربما تفزعهم الجن فيهربون القول الثاني : المراد أنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الإنس أيضاً، لكن من شر الجن، مثل أن يقول الرجل : أعوذ برسول الله من شر جن هذا الوادي، وأصحاب هذا التأويل إنما ذهبوا إليه، لأن الرجل اسم الإنس لا اسم الجن، وهذا ضعيف، فإنه لم يقم دليل على أن الذكر من الجن لا يسمى رجلاً، أما قوله :﴿فَزَادوهُمْ رَهَقاً﴾ قال المفسرون : معناه زادوهم إثماً وجرأة وطغياناً وخطيئة وغياً وشراً، كل هذا من ألفاظهم، قال الواحدي : الرهق غشيان الشيء، ومنه قوله تعالى :﴿وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ﴾ [ يونس : ٢٦ ] وقوله :﴿تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ﴾ [ عبس : ٤١ ] ورجل مرهق أي يغشاه السائلون.


الصفحة التالية
Icon