وقال قتادة أيضاً وأبو العالية والربيع وابن زيد : ازداد الإنس بهذا فَرَقاً وخوفاً من الجنّ.
وقال سعيد بن جُبير : كفراً.
ولا خفاء أن الاستعاذة بالجنّ دون الاستعاذة بالله كفر وشرك.
وقيل : لا يطلق لفظ الرجال على الجنّ ؛ فالمعنى : وأنه كان رجال من الإنس يعوذون من شر الجنّ برجال من الإنس، وكان الرجل من الإنس يقول مثلاً : أعوذ بحذيفة بن بدر من جنّ هذا الوادي.
قال القشيريّ : وفي هذا تحكُّم إذ لا يبعد إطلاق لفظ الرجال على الجنّ.
قوله تعالى :﴿ وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ الله أَحَداً ﴾ هذا من قول الله تعالى للإنس ؛ أي وأن الجنّ ظنوا أن لن يبعث الله الخلق كما ظننتم.
الكلبيّ : المعنى : ظنت الجنّ كما ظنت الإنس أن لن يبعث الله رسولاً إلى خلقه يقيم به الحجة عليهم.
وكل هذا توكيد للحجة على قريش ؛ أي إذا آمن هؤلاء الجنّ بمحمد، فأنتم أحقّ بذلك.
قوله تعالى :﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء ﴾
هذا من قول الجنّ ؛ أي طلبنا خبرها كما جرت عادتنا ﴿ فَوَجَدْنَاهَا ﴾ قد ﴿ مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً ﴾ أي حَفَظة، يعني الملائكة.
والحَرَس : جمع حارس ﴿ وَشُهُباً ﴾ جمع شهاب، وهو انقضاض الكواكب المحرقة لهم عن استراق السمع.
وقد مضى القول فيه في سورة "الحجر" و"الصافات".
و"وَجَدَ" يجوز أن يقدّر متعدّياً إلى مفعولين، فالأوّل الهاء والألف، و"مُلِئَتْ" في موضع المفعول الثاني.
ويجوز أن يتعدّى إلى مفعول واحد ويكون "مُلِئَتْ" في موضع الحال على إضمار قد.
و"حَرَساً" نصب على المفعول الثاني ب"مُلِئَتْ".
و"شَدِيداً" من نعت الحرس، أي ملئت ملائكة شدادا.
ووحد الشَّديد على لفظ الحرس ؛ وهو كما يقال : السَّلَف الصالح بمعنى الصالحين، وجمع السَّلَف أسلاف وجمع الحرس أحراس ؛ قال :
"تجاوزتُ أحراساً وأهوالَ مَعْشَرٍ"...
ويجوز أن يكون "حَرَساً" مصدراً على معنى حُرِست حراسةً شديدة.


الصفحة التالية
Icon