وقيل كان ذلك قبل المبعث، وإنما زادت بمبعث رسول الله ﷺ إنذاراً بحاله ؛ وهو معنى قوله تعالى :"مُلِئَتْ" أي زيد في حَرَسها ؛ وقال أَوْس بن حَجَر وهو جاهليّ :
فانقض كالدُّرِّي يَتْبَعُه...
نَقْعٌ يَثورُ تخَالُه طُنُبَا
وهذا قول الأكثرين.
وقد أنكر الجاحظ هذا البيت وقال : كل شعر رُوِي فيه فهو مصنوع، وأن الرمي لم يكن قبل المبعث.
والقول بالرمي أصح ؛ لقوله تعالى، ﴿ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً ﴾.
وهذا إخبار عن الجنّ، أنه زِيد في حرس السماء حتى امتلأت منها ومنهم ؛ ولما رُوي عن ابن عباس قال :" بينما النبيّ ﷺ جالس في نفر من أصحابه إذا رُمِي بنجم، فقال :"ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية؟" قالوا : كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم.
فقال النبيّ ﷺ :"إنها لا تُرْمَى لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربّنا سبحانه وتعالى إذا قضى أمراً في السماء سبّح حملة العرش ثم سبّح أهل كل سماء، حتى ينتهي التسبيح إلى هذه السماء ويستخبرُ أهلُ السماء حملةَ العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم ويخبر أهل كل سماء حتى ينتهي الخبر إلى هذه، فتتخَطَّف الجنُّ فيُرْمون فما جاءوا به فهو حقّ ولكنهم يزيدون فيه" " وهذا يدل على أن الرجم كان قبل المبعث.
ورَوَى الزهريّ نحوه عن عليّ بن الحسين عن عليّ بن أبي طالب عن ابن عباس.
وفي آخره قيل للزهريّ : أكان يُرمَى في الجاهلية؟ قال : نعم.
قلت : أفرأيت قوله سبحانه :﴿ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآن يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً ﴾ قال : غُلظت وشُدِّد أمرُها حين بُعث النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ونحوه قال القتبيّ : كان ولكن اشتدت الحراسة بعد المبعث ؛ وكانوا من قبلُ يسترقون ويُرمَون في بعض الأحوال، فلما بُعث محمد ﷺ مُنعت من ذلك أصلاً.


الصفحة التالية
Icon