وكان عاصم يكسر ما كان من قول الجن، ويفتح ما كان من الوحى. فأما الذين فتحوا كلها فإنهم ردّوا "أنَّ" فى كل سورة على قوله: فآمنا به، وآمنا بكل ذلك، ففتحت "أن" لوقوع الإيمان عليها، وأنت مع ذلك تجد الإيمان يحسن فى بعض ما فتح، ويقبح فى بعض، ولا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح، فإن الذى يقبح من ظهور الإيمان قد يحسن فيه فعلٌ مضارعٌ للإيمان يوجب فتح أنَّ كما قالت العرب.
إذا ما الغانيات بَرَزْنَ يوماً * وزَجّجن الحَواجبَ والعُيونا
فنصب العيون باتباعها الحواجب، وهى لا تزجج إنما تكحّل، فأضمر لها الكحل، وكذلك يضمر فى الموضع الذى لا يحسن فيه آمنَّا، ويحسن: صدقنا، وألهمنا، وشهدنا، ويقوّى النصب قوله: ﴿وَأَنْ لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾.
فينبغى لمن كسر أن يحذف (أنْ) من (لو) ؛ لأنّ (أنْ) إذا خففت لم تكن فى حكايةٍ، ألا ترى أنك تقول: أقول لو فعلتَ لفعلتُ، ولا تدخِل (أنْ).
وأمَّا الذين كسروا كلها فهم فى ذلك يقولون: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا﴾ فكأنهم أضمروا يميناً مع لو، وَقطعوها عن النسق على أول الكلام، فقالوا: والله أن لو استقاموا. وَالعرب تدخل أن فى هذا الموضع مع اليمين وتحذفها، قال الشاعر:
فأقسمُ لو شىء أتانا رسُوله * سواك، ولكن لم نجدْ لكَ مدفَعا
وأنشدنى آخر:
أمَا واللهِ أنْ لو كُنتَ حُرًّا * وما بِالحرِّ أنتَ ولا العتيقِ
ومن كسر كلها ونصب: ﴿وأن المساجد لله﴾ خصَّه بالوحى، وجعل: وأنْ لو مضمرة فيها اليمين على ما وصفت لك.
﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً ﴾
وقوله: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا...﴾.
[حدثنا أبو العباس قال:] حدثنا محمد قال: حدثنا الفراء قال: حدثنى أبو إسرائيل عن الحكم عن مجاهد فى قوله: ﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ قال: جلالْ ربنا.
﴿ وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً ﴾


الصفحة التالية
Icon