روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي السائد الأنصاري قال : خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذاك أول ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمكة، فآوانا المبيت إلى راعي غنم، فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم، فوثب الراعي فقال يا عامر الوادي جارك، فنادى مناد لا نراه يا سرحان أرسله، فإذا الحمل يشتد حتى دخل الغنم ولم تصبه كدمة، فأنزل اللّه على رسوله بمكة هذه الآية "فَزادُوهُمْ رَهَقاً" ٦ الرهق في كلام العرب الإثم وغشيان المحارم.
قال الأعشى :
لا شيء ينفعني من دون رؤيتها لا يشتفي رامق ما لم يصب رهقا
والمعنى أن الإنس زادوا الجن طغيانا وسفها وكبرياء بسبب استعاذتهم بهم "وَأَنَّهُمْ" كفرة الجن وسفهاؤهم "ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ" يا معشر الكفار من الإنس، هذا على عود الضمير في أنهم وفي ظنوا للجن، وضمير ظننتم للإنس، وهو أولى من عود الأولين للإنس والثالث للجن مراعاة للسياق، أي أن كفار الجن كالإنس كانوا تيقنوا قبل سماعهم القرآن "أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً" ٧ بعد موته، أي أنهم كانوا ينكرون بالبعث أيضا مثل الكفرة من الإنس وأنهم اهتدوا ورجعوا عما كانوا عليه حال سماعهم القرآن، فما بالكم يا كفار قريش لم تؤمنوا وقد سمعتم كثيرا من كلام اللّه، أما آن لكم أن تكونوا مثلهم فتؤمنوا بالبعث بعد الموت وتتركوا الإشراك باللّه وتفردوا ربكم الإله الواحد بالربوبية وبكل ما تأملونه من خير الدنيا والآخرة ؟ ألم تساووا الجن بالإيمان بالرسول وما جاء به من عند اللّه ؟


الصفحة التالية
Icon