وثانيها : وهو قول الزجاج : أنه نصب على البدل من قوله :﴿مُلْتَحَدًا﴾ [ الجن : ٢٢ ] والمعنى : ولن أجد من دونه ملجأ إلا بلاغاً، أي لا ينجيني إلا أن أبلغ عن الله ما أرسلت به، وأقول هذا الاستثناء منقطع لأنه تعالى لما لم يقل ولن أجد ملتحداً بل قال :﴿وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾، والبلاغ من الله لا يكون داخلاً تحت قوله :﴿مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ لأن البلاغ من الله لا يكون من دون الله، بل يكون من الله وبإعانته وتوفيقه ثالثها : قال بعضهم :( إلا ) معناه إن ( لا ) ومعناه : إن لا أبلغ بلاغاً كقولك :( إلا ) قياماً فقعوداً، والمعنى : إن لا أبلغ لم أجد ملتحداً، فإن قيل : المشهور أنه يقال بلغ عنه قال عليه السلام :" بلغوا عني، بلغوا عني " فلم قال ههنا :﴿بَلاَغاً مِّنَ الله﴾ ؟ قلنا :( من ) ليست ( بصفة للتبلغ ) إنما هي بمنزلة ( من ) في قوله :﴿بَرَاءةٌ مّنَ الله﴾ [ التوبة : ١ ] بمعنى بلاغاً كائناً من الله.
أما قوله تعالى :﴿ورسالاته﴾ فهو عطف على ﴿بَلاَغاً﴾ كأنه قال : لا أملك لكم إلا التبليغ والرسالات، والمعنى إلا أن أبلغ عن الله فأقول : قال الله كذا ناسباً القول إليه وأن أبلغ رسالاته التي أرسلني بها من غير زيادة ولا نقصان.
قوله تعالى :﴿وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ قال الواحدي إن مكسورة الهمزة لأن ما بعد فاء الجزاء موضع ابتداء ولذلك حمل سيبويه قوله :﴿وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ﴾ [ المائدة : ٩٥ ] ﴿وَمَن كَفَرَ فَأُمَتّعُهُ﴾ [ البقرة : ١٢٦ ] ﴿فَمَن يُؤْمِن بِرَبّهِ فَلاَ يَخَافُ﴾ [ الجن : ١٣ ] على أن المبتدأ فيها مضمر وقال صاحب "الكشاف" وقرىء :﴿فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ على تقدير فجزاؤه أن له نار جهنم كقولك :﴿فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ﴾ [ الأنفال : ٤١ ] أي فحكمه أن لله خمسه.


الصفحة التالية
Icon