﴿ فلا تدعوا ﴾ [ الجن : ١٨ ] خطاباً للجن محكيا أن جعل قوله تعالى وانه لما قام على قراءة الكسر من مقول الجن لئلا ينفك النظم لو جعل ابتداء قصة ووحيا آخر منقطعاً عن حكاية الجن وكذلك لو جعل ضمير كادوا للجن على قراءة الفتح أيضاً والأصل أن المساجد لله فلا تدعوا أيها الجن مع الله أحداً فقيل قل يا محمد لمشركي مكة أوحى إلى كذا وإذا كان كذلك فيجىء في ضمن الحكاية إثبات هذا الحكم بالنسبة إلى المخاطبين أيضاً لاتحاد العلة وأما لو جعل خطاباً عاماً فالوجه أن يكون ضمير كادوا راجعاً إلى المشركين أو إلى الجن والانس وأن يكون على قراءة الكسر جملة استئنافية ابتداء قصة منه جل شأنه في الاخبار عن حال رسول الله ﷺ وهو تمهيد لما يأتي من بعد وتوكيد لما ذكر من قبل فكأنه قيل قل لمشركي مكة ما كان من حديث الجن وإيمان بعضهم وكفر آخرين منهم ليكون حكاية ذلك لطفاً لهم في الانتهاء عما كانوا فيه وحثا على الإيمان ثم قيل وانه لما قام عبد الله يدعوه ويوحده كاد الفريقان من كفرة الجن والانس يكونون عليه لبداً دلالة على عدم ارتداعهم مع هذه الدلائل الباهرة والآيات النيرة وما أحسن التقابل بين قوله تعالى ﴿ وان المساجد ﴾ [ الجن : ١٨ ] وبين هذا القول كأنهم نهوا كلهم عن الإشراك ودعوا إلى التوحيد فقابلوا ذلك بعداوة من يوحد الله سبحانه ويدعوه ولم يرضوا بالاباء وحده وهذا من خواص الكتاب الكريم وبديع أسلوبه إذا أخذ في قصة غب قصة جعلهما متناصفتين فيما سيق له الكلام وزاد عليه التآخي بينهما في تناسب خاتمة الأولى وفاتحة الثانية ولعل هذا الوجه من الوجاهة بمكان وأما لو فسر بما حكى عن الخليل ولأن المساجد لله فلا تدعوا الخ فالوجه أن يكون استطرداً ذكر عقيب وعيد المعرض والحمل على هذا على الأعضاء السبعة أظهر لأن فيه تذكيراً لكونه تعالى المنع بها عليهم وتنبيهاً على أن الحكمة في خلقها خدمة المعبود من حيث العدول عن لفظ الأعضاء


الصفحة التالية
Icon