وهو انتقال من ذكر ما أوحي به إلى النبي ﷺ إلى توجيه خطاب مستأنف إليه، فبعد أن حكي في هذه السورة ما أوحى الله إلى رسوله ﷺ مما خفي عليه من الشؤون المتعلقة به من اتِّباع متابعين وإعراض معرضين، انتقل إلى تلقينه ما يُرد على الذين أظهروا له العناد والتورك.
ويجوز أن يكون ﴿ قل إني لا أملك ﴾ الخ، تكريراً لجملة ﴿ قل إنما أدعو ربي ﴾ [ الجن : ٢٠ ] على قراءة حمزة وعاصم وأبي جعفر.
والضر : إشارة إلى ما يتوركون به من طلب إنجاز ما يتوعدهم به من النصر عليهم.
وقوله :﴿ ولا رشداً ﴾ تتميم.
وفي الكلام احتباك لأن الضر يقابله النفع، والرشد يقابله الضلال، فالتقدير : لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً ولا ضلالاً ولا رشداً.
والرَّشَد بفتحتين : مصدر رشد، والرُّشْد، بضم فسكون : الاسم، وهو معرفة الصواب، وقد تقدم قريباً في قوله :﴿ يهدي إلى الرشد ﴾ [ الجن : ٢ ].
وتركيب ﴿ لا أملك لكم ﴾ معناه لا أقدر قدرة لأجلكم على ضرّ ولا نفع، وقد تقدم عند قوله تعالى :﴿ وما أملك لك من الله من شيء ﴾ في سورة الممتحنة ( ٤ ) وتقدم أيضاً في سورة الأعراف.
وجملتا قل إني لن يجيرني } إلى ﴿ ملتحداً ﴾ معترضتان بين المستثنى منه والمستثنى، وهو اعتراضُ ردَ لما يحاولونه منه أن يترك ما يؤذيهم فلا يذكر القرآنُ إبطال معتقدهم وتحقير أصنامهم، قال تعالى :﴿ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائتتِ بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن اتبع إلاّ ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ﴾ [ يونس : ١٥ ].
والملتحد : اسم مكان الالتحاد، والالتحاد : المبالغة في اللحد، وهو العدول إلى مكان غير الذي هو فيه، والأكثر أن يطلق ذلك على اللجأ، أي العياذ بمكان يعصمه.
والمعنى : لَن أجد مكاناً يعصمني.


الصفحة التالية
Icon