فى سورة الأنعام آية رسمت الإطار الذى يحدد سيرة النبى ﷺ " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ". إذا كانت حياة البعض حقا وباطلا وجدا وهزلا وراحة وتعبا، فإن هذا الإنسان الجليل قضى حياته كدحا موصولا وسبحا طويلا. ولم تكن مراحل تعبه استكمالا لأمجاد النبوة فى بيئة محدودة، بل كانت تكوين جيل يغير مسار البشر إلى قيام الساعة، ويهيئ للحق منارا لا تطفئه العواصف الهوج! إن السنوات الستين التى قضاها محمد فى الدنيا لم تكن لإصلاح عصر معين، بل كانت صونا لعقيدة التوحيد على امتداد الزمان والمكان، وإعدادا للرجال! الذين يحرسونها بعده إلى آخر الدهر. وفى أوائل إلماع إلى هذه الغاية لقد قيل للرسول " يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا * أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا " لقد انتهى زمان النوم المشبع والإستجمام العميق " إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ". إنه قول ملىء بالتكاليف الشاقة والجهاد المضنى!! إنه إذا فرغ من قيام الليل استقبل كدح النهار فى تبليغ الدعوة ومجاهدة الخصوم، ولا معين له إلا الله. فلينقطع إليه، وليستمد منه، وليتخذه وكيلا، وليصبر على أذاهم، فإن حسابهم المقبل شاق: " إن لدينا أنكالا وجحيما * وطعاما ذا غصة وعذابا أليما ". ومتى يقع هذا ؟ "يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا " ! إن تصور الأرض ترتجف بنجدها ووفدها وبرها وبحرها كما يرتجف العاجز أمام هولى دهمه، تصور يثير الفزع والرهبة، ولكن الناس فى خوض يلعبون. إن محمدا عليه الصلاة والسلام كان أخشى الناس لله، وأشدهم إحساسا بقرب لقائه. وكان الجيل الذى حف به يتأسى به ويحيا على غراره. فليس غريبا أن يقوم الليل مثله ويشد أزره فى مكافحة الضلال الجاثم على صدر الدنيا، ولكن الله سبحانه رحمة منه بجمهور الأمة استبقى فريضة قيام الليل على نبيه


الصفحة التالية
Icon