فعلى الأول : يكون الضمير المفعول في تُحْصُوهُ عائدا على مصدر مفهوم من يُقَدِّرُ في الجملة السابقة.
والمعنى عليه : علم اللّه أنكم لم تحصوا تقدير الليل والنهار، ولن تستطيعوا ضبط ساعاتهما، ولا معرفة ما فات من ذلك على التحديد، ولا ما هو آت، وأنكم إذا أخذتم دائما بالأحوط ضعفتم، وشقّ عليكم الأمر، ولذلك خفف اللّه عنكم في أمر القيام، ورفع عنكم المقدار المحدد، ورخّص لكم أن تقوموا مقدارا ما من الليل غير مقيّد بثلث ولا بغيره.
وعلى الثاني : يكون الضمير عائدا على القيام المفهوم من تَقُومُ.
والمعنى عليه : علم اللّه أنكم لن تحصوا قيام الليل، أي لن تطيقوه، ولن تستطيعوا المواظبة عليه مقدّرا بذلك المقدار، ولذلك خفف عنكم.
فَتابَ عَلَيْكُمْ التوبة في الأصل معناها العود والرجوع. يقال : تاب العاصي إذا رجع إلى سبيل الطاعة، ويقال : تاب اللّه عليه، بمعنى عفا عنه، وعاد عليه بالمغفرة، فالتوبة في قوله تعالى : فَتابَ عَلَيْكُمْ يصحّ أن تكون بمعنى المغفرة، أي غفر لكم ما كان عساه يفضي إلى مؤاخذتكم من عدم الوفاء بما أمرتم به، إذ كنتم تقومون في بعض الأحوال أقل من ثلث الليل، مع أنكم مأمورون أن تقوموا نصفه على الأقل، لا تنقصون منه إلا قليلا.
وهذا - كما ترى - إنما يظهر على قراءة نافع ومن وافقه بجر (نصفه) و(ثلثه). أما على قراءة النصب فيكون معنى فَتابَ عَلَيْكُمْ عاد عليكم بالترخيص والتخفيف، ورجع بكم من عسر إلى يسر، ومن شدة إلى لين، وليس هو من التوبة بمعنى المغفرة.
فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ للعلماء في المراد بالقراءة هنا ثلاثة أقوال :
الأول :- قول من حمل القراءة على ظاهرها، وقال : إن صلاة التهجد قد نسخت بهذا الأمر وصار المطلوب قراءة شيء من القرآن. ثم من هؤلاء من قال : إنّ الأمر بالقراءة للوجوب، ومنهم من حمله على الندب.
القول الثاني : أن المراد بالقراءة الصلاة، عبّر عنها لأنّها من أركانها، كما يعبّر عنها بالقيام والركوع والسجود، فيكون معنى : فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ صلوا ما تيسر لكم من الصلاة.
ويشهد لذلك سياق الآية، وما سبق من الآثار التي تدل على أنّ آخر السورة نسخ أولها، فصار الواجب قيام جزء ما من الليل، ثم نسخ ذلك بفرض المكتوبات الخمس.
القول الثالث :- أن المراد قراءة القرآن في الصلاة عملا بدلالة اللفظ مع شهادة السياق وتلك الآثار.


الصفحة التالية
Icon