أما قوله تعالى :﴿هِىَ أَشَدُّ وطئاً﴾ أي مواطأة وملاءمة وموافقة، وهي مصدر يقال : واطأت فلاناً على كذا مواطأة ووطأة ومنه ﴿لّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله﴾ [ التوبة : ٣٧ ] أي ليوافقوا، فإن فسرنا الناشئة بالساعات كان المعنى أنها أشد موافقة لما يرد من الخشوع والإخلاص، وإن فسرناها بالنفس الناشئة كان المعنى شدة المواطأة بين القلب واللسان، وإن فسرناها بقيام الليل كان المعنى مايراد من الخشوع والإخلاص، وإن فسرناها بما ذكرت كان المعنى أن إفضاء تلك المجاهدات إلى حصول المكاشفات في الليل أشد منه في النهار، وعن الحسن أشد موافقة بين السر والعلانية لانقطاع رؤية الخلائق.
المسألة الثانية :
قرىء :﴿أَشَدَّ وطئاً﴾ بالفتح والكسر وفيه وجهان الأول : قال الفراء : أشد ثبات قدم، لأن النهار يضطرب فيه الناس ويتقلبون فيه للمعاش والثاني : أثقل وأغلظ على المصلى من صلاة النهار، وهو من قولك : اشتدت على القوم وطأة سلطانهم إذا ثقل عليهم معاملتهم معه، وفي الحديث :" اللهم أشدد وطأتك على مضر " فأعلم الله نبيه أن الثواب في قيام الليل على قدر شدة الوطأة وثقلها، ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام :" أفضل العبادات أحمزها " أي أشقها.
واختار أبو عبيدة القراءة الأولى، قال : لأنه تعالى لما أمره بقيام الليل ذكر هذه الآية، فكأنه قال : إنما أمرتك بصلاة الليل لأن موافقة القلب واللسان فيه أكمل، وأيضاً الخواطر الليلية إلى المكاشفات الروحانية أتم.
قوله تعالى :﴿وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾ فيه مسألتان :
المسألة الأولى :
﴿أَقْوَمُ قَلِيلاً﴾ قال ابن عباس : أحسن لفظاً، قال ابن قتيبة : لأن الليل تهدأ فيه الأصوات وتنقطع فيه الحركات ويخلص القول، ولا يكون دون تسمعه وتفهمه حائل.
المسألة الثانية :