قال ابن عباس : إن قيام الليل كان فريضة على رسول الله لقوله :﴿قُمِ الليل﴾ وظاهر الأمر للوجوب ثم نسخ، واختلفوا في سبب النسخ على وجوه أولها : أنه كان فرضاً قبل أن تفرض الصلوات الخمس ثم نسخ بها وثانيها : أنه تعالى لما قال :﴿قُمِ الليل إِلاَّ قَلِيلاً * نّصْفَهُ أَوِ انقص مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾ فكان الرجل لا يدري كم صلى وكم بقي من الليل فكان يقوم الليل كله مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب وشق عليهم ذلك حتى ورمت أقدامهم وسوقهم، فنسخ الله تعالى ذلك بقوله في آخر هذه السورة :﴿فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ [ المزمل : ٢٠ ] وذلك في صدر الإسلام، ثم قال ابن عباس : وكان بين أول هذا الإيجاب وبين نسخه سنة، وقال في رواية أخرى : إن إيجاب هذا كان بمكة ونسخه كان بالمدينة، ثم نسخ هذا القدر أيضاً بالصلوات الخمس، والفرق بين هذا القول وبين القول الأول أن في هذا القول نسخ وجوب التهجد بقوله :﴿فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان﴾ [ المزمل : ٢٠ ] ثم نسخ هذا بإيجاب الصلوات، وفي القول الأول نسخ إيجاب التهجد بإيجاب الصلوات الخمس ابتداء، وقال بعض العلماء : التهجد ما كان واجباً قط، والدليل عليه وجوه أولها : قوله :﴿وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾ [ الإسراء : ٧٩ ] فبين أن التهجد نافلة له لا فرض، وأجاب ابن عباس عنه بأن المعنى زيادة وجوب عليك وثانيها : أن التهجد لو كان واجباً على الرسول لوجب على أمته لقوله :﴿واتبعوه﴾ [ الأعراف : ١٥٨ ] وورود النسخ على خلاف الأصل وثالثها : استدل بعضهم على عدم الوجوب بأنه تعالى قال :﴿نّصْفَهُ أَوِ انقص مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾ ففوض ذلك إلى رأي المكلف وما كان كذلك لا يكون واجباً وهذا ضعيف لأنه لا يبعد في العقل أن يقول : أوجبت عليك قيام الليل فأما تقديره بالقلة والكثرة فذاك مفوض إلى رأيك، ثم إن القائلين بعدم الوجوب أجابوا عن