ولما كانت هذه السورة من أول ما نزل والدين ضعيف وأهله في غاية القلة والذلة ليعتبر بهم من آل به أمره إلى أن كان في زمان صار فيه الدين غريباً كغربته إذ ذاك، وكان فرعون أعتى الناس في زمانه وأجبرهم، وأشدهم خداعاً وأمكرهم وكان بنو إسرائيل في غاية الذل له والطواعية لأمره، ومع ذلك فلما أرسل الله إليه موسى عليه السلام الذي ذبح فرعون أبناء بني إسرائيل لأجل أن يكون في جملة من ذبحه لأنه قيل له أنه يولد لبني إسرائيل مولود يكون هلاك القبط على يده أظهره به وأهلكه على قوته وأنجى منه بني إسرائيل على ضعفهم، قال تعالى تنبيهاً لقريش والعرب وغيرهم على أن من كان الله معه لا ينبغي أن يقاوي ولو أنه أضعف الخلق، وتنبيهاً لهم على الاعتبار بحال هذا الطاغية الذي يزيد عليهم بالملك وكثرة الجنود والأموال :﴿كما أرسلنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿إلى فرعون﴾ أي ملك مصر ﴿رسولاً﴾ ولعله نكره للتنبيه على أنه ليس من قوم فرعون فلا مانع له منه من حميم ولا شفيع يطاع، ليعلم أنه من كانت له قبيلة تحامي عنه أولى بالنصرة.
ولما كان الإرسال سبباً للقبول أو الرد قال :﴿فعصى فرعون﴾ أي بما له من تعوج الطباع ﴿الرسول﴾ أي الذي تقدم أنا أرسلناه إليه فصار معهوداً لكم بعد ما أراه من المعجزات البينات والآيات الدامغات - بما أشار إليه مظهر العظمة، ولذلك سبب عن عصيانه قوله :﴿فأخذناه﴾ أي بما لنا من العظمة، وبين أنه أخذ قهر وغضب بقوله :﴿أخذاً وبيلاً﴾ أي ثقيلاً شديداً متعباً مضيقاً رديء العاقبة من قولهم : طعام وبيل - إذا كان وخماً لا يستمرأ أي لا ينزل في المري ولا يخف عليه، وذلك بأن أهلكناه ومن معه أجمعين لم ندع منهم أحداً - وسيأتي إن شاء الله تعالى في " ألم نشرح " قاعدة إعادة النكرة والمعرفة.